
حرية التعبير في الجزائر: تبون يطارد الكاتب كمال داود في فرنسا
في أحدث تجليات التضييق المستمر على حرية التعبير في الجزائر، وجهت السلطات القضائية سهامها نحو الروائي المعروف كمال داود، الذي بات يواجه مذكرتي توقيف دوليتين صادرتين من القضاء الجزائري. القضية لم تبق حبيسة الحدود الوطنية، بل سرعان ما انتقلت إلى المشهدين الفرنسي والدولي. لتعيد فتح النقاش حول حدود حرية الكلمة ومكانة الأدب في مجتمعات تتأرجح بين الرقابة والانفتاح.
حرية التعبير في الجزائر تحت المجهر الفرنسي
وكشفت وزارة الخارجية الفرنسية أن السلطات الجزائرية أبلغتها رسميا بإصدار مذكرتين بحق الكاتب الفرنسي-الجزائري كمال داود، إحداهما صدرت عبر “الإنتربول” في مارس 2025، والثانية مطلع ماي الجاري. وأكد المتحدث باسم الوزارة كريستوف لوموان أن باريس تتابع القضية عن كثب، مشددا على احترام بلاده لحرية الرأي والتعبير، في تلميح واضح إلى قلق فرنسي متزايد بشأن مستقبل حرية التعبير في الجزائر.
رواية “حوريات” تضع حرية التعبير في الجزائر على المحك
وراء مذكرات التوقيف تقف رواية داود الأخيرة “حوريات”، التي تطرقت إلى مرحلة العشرية السوداء في الجزائر، وسلطت الضوء على العنف المسكوت عنه. المحامية الفرنسية جاكلين لافون، التي تدافع عن داود، وصفت الخطوة بأنها “انتقام سياسي” من كاتب اختار أن يعالج جراح وطنه عبر الأدب. وأضافت أن ملاحقة موكلها تعكس القلق الرسمي من الأصوات الحرة، وتندرج في إطار الحرب المستمرة على حرية التعبير في الجزائر.
ولم تكتف السلطة بملاحقة كمال داود على خلفية محتوى الرواية، بل وجدت دعما إضافيا في دعوى قضائية رفعتها سيدة جزائرية تدعى سعادة عربان، تتهمه فيها بانتهاك خصوصيتها وتحويل قصتها إلى مادة أدبية من دون إذن. عربان، التي قالت إنها نجت من محاولة ذبح على يد جماعة متطرفة عام 2000، زعمت أن شخصية “أوب” في الرواية مستوحاة من حياتها. هذه القضية، في نظر مراقبين، أضيفت إلى سياق متصاعد من التضييق على حرية التعبير في الجزائر، حيث تستخدم القوانين لتكميم الأفواه بدلًا من حماية الحقوق.
رد الكاتب ودعم النشر: دفاع عن حرية التعبير في الجزائر
من جانبه، خرج كمال داود عن صمته بتصريحات نارية لمحطة “فرانس إنتر”، قائلاً: “كنت أعلم أن هذا سيحدث. المقالات الأولى التي هاجمت الرواية خرجت من وسائل إعلام حكومية”. وشدّد على أنه لم يذكر اسم عربان أو تفاصيل شخصية واضحة عنها. دار النشر الفرنسية “غاليمار”، التي نشرت الرواية، عبّرت عن تضامنها الكامل مع داود، واعتبرت أن ما يجري محاولة “منسقة” لإسكات صوت أدبي حر يزعج السلطة. هذا الموقف يعكس قلقا دوليا متناميا من تدهور حرية التعبير في الجزائر وتصدير أدوات القمع إلى الخارج.
وتحولت قضية كمال داود إلى مثال جديد على طبيعة التحديات التي تواجهها حرية التعبير في الجزائر، حيث باتت السلطة تستثمر في آليات الضغط القانوني والإعلامي لمحاصرة الكتاب والمفكرين. بدلا من فتح حوار مجتمعي حول مضامين الأعمال الأدبية، اختارت الدولة الجزائرية نهج التصعيد، ما يعكس توجهًا خطيرًا نحو محاكمة الكلمة وسجن الخيال.
ويبقى السؤال مفتوحا: هل ستنجح السلطات الجزائرية في إخراس صوت داود؟ أم أن هذه الحملة ستزيد من صوته إشعاعا دوليا كما حدث مع كتاب آخرين من قبله؟ المؤكد أن حرية التعبير في الجزائر تمر اليوم بمنعطف حاسم، سيكون له ما بعده.