الحكم الذاتي

مجلة أمريكية تكشف أسرار علاقة البوليساريو بالإرهاب

في تحليل جديد يحمل تحذيرات غير مسبوقة، نشرت مجلة أمريكية واسعة الانتشار تحمل عنوان  The National Interest الأمريكية، والمتخصصة في قضايا الأمن والسياسة الدولية، مقالا معمقا أضاء على التهديدات التي تمثلها جبهة البوليساريو في منطقة الساحل.

واعتبرت المجلة أن المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية لم يعد مجرد قضية نزاع إقليمي، بل أصبح يرتبط ارتباطا وثيقا بشبكات إرهابية دولية قد تهدد أمن المنطقة بأكملها، إذا ما تُركت دون مراقبة.

مجلة أمريكية: البوليسارو من من حركة ماركسية إلى منصة لتجنيد الجهاديين

لم يكتف المقال الذي وقعه الباحث أحمد شراوي بطرح تساؤل تقليدي حول ما إذا كانت “دولة مستقلة تحت سيطرة البوليساريو” قابلة للحياة. بل تجاوز ذلك نحو التحذير من أن مثل هذا السيناريو لن يكون سوى وصفة لانفجار أمني كارثي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

وكتب شراوي  بوضوح: “بغض النظر عن موقفك من حق تقرير المصير، فإن المغرب يظل الجدار الأخير الذي يمنع تحول الصحراء الغربية إلى معقل للجماعات الجهادية المتطرفة“، مشيرا إلى أن الواقع الأمني المعقد في المنطقة لم يعد يسمح بالتعامل مع البوليساريو كفاعل سياسي تقليدي.

المثير في هذا التقرير أنه يعكس تزايدا في المواقف الدولية التي تتبنى هذا التقييم الحذر. فقد أشار كاتب المقال إلى أن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإسرائيل تتقاطع رؤاها الأمنية حول هذا الملف. بل وحتى سوريا، التي كانت في وقت من الأوقات من أبرز داعمي البوليساريو، تراجعت عن دعمها وطردت عناصر الجبهة من أراضيها. وفي المقابل، تستمر الجزائر وإيران، بحسب المجلة، في توفير الغطاء السياسي والدعم اللوجستي للجبهة، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول الغايات النهائية لهذا الدعم، خاصة إذا ما وضع في سياق التوترات الإقليمية وتداخل الأجندات الإيديولوجية والمذهبية.

تفاصيل العلاقة مع الإرهاب

المجلة تطرقت بتفصيل إلى تحول البوليساريو من حركة ذات خلفية ماركسية تلقت في بداياتها دعما من دول مثل ليبيا وكوبا، إلى كيان غامض ومفتوح على علاقات غير شفافة مع تنظيمات متطرفة. وأكد التقرير أن مخيمات تندوف، التي تحتضن اللاجئين الصحراويين في جنوب الجزائر، أصبحت في السنوات الأخيرة بؤرة نشطة لتجنيد المتطرفين، وممرا آمنا يربط بين صحراء مالي وشمال النيجر ومناطق أخرى في الساحل الإفريقي، في ظل غياب أي رقابة فعلية من المجتمع الدولي أو حتى من الدولة الجزائرية.

من أبرز الأسماء التي ذكرتها المجلة في هذا السياق، عدنان أبو الوليد الصحراوي، أحد المقاتلين السابقين في صفوف البوليساريو، والذي أصبح لاحقاً من أبرز قادة تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” قبل أن يُقتل على يد القوات الفرنسية عام 2021. كما أورد التقرير معلومات عن خلايا إرهابية انطلقت من تندوف مثل “فتح الأندلس” عام 2008، ومجموعة “الخلافة” التي بايعت تنظيم داعش بعد عام فقط من ظهورها. واعتبرت المجلة أن هذه المعطيات ليست معزولة، بل تمثل سلسلة مترابطة من الوقائع تشير إلى تحول بنيوي في طبيعة الجبهة وعلاقاتها.

شبكة علاقات تمتد من إيران إلى حزب الله

الأخطر في تقرير  المجلة هو كشفه عن وجود روابط مؤكدة بين البوليساريو وحزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، عبر وثائق وتقارير أمنية أوروبية، خاصة من ألمانيا. فبحسب الصحيفة الألمانية Die Welt، تم اعتراض مكالمات بين محمد الأمين الكتاب، مسؤول التنسيق السياسي للجبهة في سوريا، وأحد كوادر حزب الله، الأمر الذي يعكس، حسب المجلة، طبيعة الارتباطات الإيرانية بالجبهة، ضمن سياق أوسع لتحويلها إلى ورقة ضغط جيوسياسي في المنطقة.

وفي ظل هذا التصاعد المتزايد في القلق الدولي، أعادت المجلة التذكير بتحذيرات سابقة صدرت عن الدبلوماسي الإسباني ماكسيمو كاخال، مستشار رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو. ففي عام 2010، كتب كاخال مقالا في صحيفة El País الإسبانية، تساءل فيه عن العواقب المحتملة لإنشاء “دولة مستقلة” في الصحراء تحت سيطرة البوليساريو، محذرا من أن الأمر سيكون بمثابة خلق “دولة فاشلة جديدة” في منطقة تعاني أصلا من الهشاشة والفراغ الأمني.

كاخال لم يتوقف عند الجانب الأمني فقط، بل أشار إلى أن الصحراء الغربية، من حيث التكوين الديمغرافي والمؤسساتي، لم تكن يوما مؤهلة لتكون دولة مستقلة. فقد اعتبر أن السكان الرحل والعلمانيين الذين يعيشون في هذه المنطقة لم يشكلوا قط وحدة شعبية متجانسة يمكنها أن تقوم عليها دولة حديثة. هذه المقاربة وجدت صدى واسعا اليوم في ظل التحذيرات الجديدة من خطورة ترك البوليساريو تعمل خارج الأطر القانونية وتحت حماية أنظمة إقليمية لها حساباتها الخاصة.

تزايد التغطية الدولية للمخاطر الأمنية المرتبطة بالبوليساريو

التحليل الذي قدمته المجلة يأتي ليعزز موجة جديدة من التغطيات الدولية التي بدأت تتعامل مع البوليساريو كعنصر تهديد إقليمي، لا كمجرد طرف في نزاع سياسي. وفي وقت يواصل فيه المغرب تعزيز حضوره الدبلوماسي والأمني في القارة الإفريقية، يطرح هذا التقرير رسالة واضحة مفادها أن الأمن الإقليمي بات يمر عبر الرباط، وليس عبر الكيانات المسلحة التي تتستر بعباءة “التحرر الوطني” بينما تنخرط في تحالفات مشبوهة مع قوى متطرفة.

ومن الواضح أن العالم بدأ يعيد النظر في سردية “النزاع الإقليمي” التي حكمت تعاطيه مع ملف الصحراء لعقود. المجلة الأمريكية وضعت الإصبع على مكمن الخطر، وهو أن البوليساريو تحوّلت إلى ما يشبه الصندوق الأسود الذي يختلط فيه السياسي بالإيديولوجي، والمذهبي بالإرهابي، في منطقة تشهد واحدة من أكثر الأزمات الأمنية احتداماً في العالم. الرسالة التي توجّهها مثل هذه التحليلات اليوم واضحة: لا يمكن فصل مستقبل الصحراء عن أمن الساحل، ولا يمكن القبول بمشاريع انفصالية تهدد بتحويل الجنوب المغاربي إلى بؤرة توتر جديدة لا تقل خطورة عن سوريا أو ليبيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى