
تصنيف البوليساريو: مطالب أمريكية متزايدة بإدراجها منظمة إرهابية
تتواصل الجهود المكثفة في الولايات المتحدة لإقناع الإدارة الأمريكية بإدراج جبهة البوليساريو ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. هذه المطالبات، التي تتزايد وتكتسب زخما، تسلط الضوء مجددا على تاريخ الجبهة العنيف وأنشطتها المثيرة للجدل، مؤكدة على ضرورة تصنيف البوليساريو ككيان يشكل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي. يأتي هذا التحرك في سياق تقارير جديدة تفضح ممارسات الجبهة وتاريخها في الهجمات الإرهابية.
تصنيف البوليساريو: حوادث عنف وضحايا أمريكيون وإسبان
أفاد روبرت غرينواي، مدير مركز أليسون للأمن الوطني في مؤسسة هيريتاج، في مقال حديث، بأن “في عام 1988، أسقطت صواريخ جبهة البوليساريو طائرتين تابعتين للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مما أدى إلى مقتل خمسة أمريكيين، ولم ترد الولايات المتحدة بفرض عقوبات”. هذه الحادثة المأساوية، التي لم تحاسب عليها الجبهة بشكل كامل، تعيد إلى الأذهان تاريخ العنف الذي مارسته البوليساريو، وتشكل أساسًا قويًا للمطالبات الحالية بـ تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية.
منذ حادثة 1988، شهد السياق الاستراتيجي تغيرات كبيرة. ففي نوفمبر 2020، انسحبت جبهة البوليساريو بشكل أحادي من وقف إطلاق النار لعام 1991 الذي تم التفاوض عليه تحت رعاية الأمم المتحدة في الصحراء المغربية. وقد أعلن قادتها المنطقة “منطقة حرب”، واستأنفوا إطلاق الصواريخ على طول الجدار الرملي المغربي البالغ طوله 1700 كيلومتر، محذرين من أن القنصليات وشركات الطيران والشركات الأجنبية أصبحت “أهدافا مشروعة”، وفقا لما أكده مستشار سابق للأمن القومي الأمريكي لأفريقيا والشرق الأوسط. هذا التصعيد العسكري يبرهن على عدم التزام الجبهة بالاتفاقيات الدولية وتهديدها المباشر للمصالح المدنية والاقتصادية.
وقد أثار نشر هذا المقال رد فعل قوي من البوليساريو، حيث نددت إحدى وسائل إعلامها يوم الخميس 22 ماي، بما وصفته بـ “حملة تضليل تشن ضد جبهة البوليساريو والشعب الصحراوي”. ومع ذلك، تظل الحقائق قائمة: فبالإضافة إلى مقتل خمسة أمريكيين على يد البوليساريو، فإن عدد الضحايا الإسبان من أعمالها الإرهابية يتجاوز 300 شخص. ورغم هذه الأرقام المروعة، تستمر السلطات الإسبانية في تجاهل هذه “الصفحة المظلمة” في تاريخ البوليساريو، مما يثير تساؤلات حول الأسباب وراء هذا الصمت الدولي.
إشارات بريطانية قوية نحو تصنيف البوليساريو كمنظمة محظورة
في تطور جديد يحمل أبعادًا سياسية وأمنية بالغة الأهمية، ألمح وزير الأمن البريطاني دان جارفيس إلى أن الحكومة البريطانية بصدد دراسة إمكانية تصنيف البوليساريو منظمة محظورة. ويشكل هذا أول إشارة من نوعها من لندن تجاه هذا الكيان الذي يدعي تمثيل سكان الصحراء المغربية، وتؤكد على تزايد القلق الدولي من أنشطته.
جاءت هذه التصريحات اللافتة خلال جلسة مساءلة في مجلس العموم البريطاني، حين طرح النائب المحافظ تشارلي ديوهيرست سؤالًا مباشرًا حول احتمال إدراج البوليساريو ضمن قائمة المنظمات المحظورة، في سياق التهديدات الأمنية والأنشطة المشبوهة المنسوبة للجبهة في منطقة الساحل والصحراء. وكان رد وزير الأمن مقتضبًا لكنه محمّل بالدلالات، إذ أكد أن “لندن تراجع بشكل دائم قائمة الجماعات المصنفة كمنظمات إرهابية”، مضيفًا أن الحكومة “لا تعلق عادة على قضايا أمنية أو استخباراتية محددة”.
هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، بل اعتبره مراقبون تمهيدًا واضحًا نحو تصنيف البوليساريو منظمة محظورة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات الدولية من ارتباطات هذه الجبهة ببعض الشبكات المتطرفة في الساحل، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات. هذا الارتباط بالشبكات الإجرامية والإرهابية يعزز من المبررات القانونية والأمنية لإدراج الجبهة ضمن القوائم السوداء الدولية.
الموقف الاقتصادي البريطاني: دعم الاستثمار في الصحراء المغربية
في ذات الجلسة، أثار النائب ذاته مسألة موقف الحكومة البريطانية من الاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. وردا على السؤال، شدد وزير الدولة المكلف بالأعمال والتجارة، دوغلاس ألكسندر، على أن “قرار الاستثمار في الصحراء يعود إلى الشركات الخاصة بناءً على المعلومات المتوفرة لديها”، موضحًا أن “المنتجات القادمة من المنطقة وتخضع لرقابة الجمارك المغربية تستفيد من نفس التفضيلات الجمركية التي تمنحها لندن بموجب اتفاقية الشراكة البريطانية المغربية”.
هذا التأكيد يوضح أن لندن لا تعارض من حيث المبدأ التبادل التجاري مع الأقاليم الجنوبية، ما يعكس اعترافا عمليا بوحدة التراب المغربي، على الرغم من المواقف السياسية الرمادية التي قد تتخذها بعض الدول. هذا الموقف الاقتصادي يدعم الرؤية المغربية لتنمية أقاليمه الجنوبية ودمجها بشكل كامل في الاقتصاد الوطني والدولي.