كابرانات الجزائر

ميناء الحمدانية الجزائري: فشل مشروع حاول منافسة المغرب

يعد مشروع ميناء الحمدانية في الجزائر واحدًا من أبرز المشاريع الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز مكانة الجزائر كمركز تجاري ولوجستي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. أُطلق المشروع في عام 2015 خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بهدف منافسة ميناء طنجة-المتوسط في المغرب، الذي يُعتبر أحد أكبر الموانئ في المنطقة. ومع ذلك، شهد المشروع تحولًا استراتيجيًا مفاجئًا أثار الكثير من التساؤلات حول التوجهات الجيوسياسية للجزائر، خاصة بعد قرار استبعاد الصين من تنفيذ المشروع وإعادة توجيهه نحو شركاء آخرين، مثل شركة CMA-CGM الفرنسية.

في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذا التحول، أسبابه، وتداعياته على السياسة الإقليمية والاقتصادية.

ميناء الحمدانية وطموحات الجزائر الاقتصادية

كان من المفترض أن تتولى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تنفيذ مشروع ميناء الحمدانية، وهو قرار تم اتخاذه في سياق طموح الجزائر لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز قدرتها التنافسية في التجارة البحرية. ومع ذلك، كشفت تقارير حديثة، نقلاً عن صحيفة L’Opinion الفرنسية، أن الجزائر قررت التخلي عن التعاون مع الصين في هذا المشروع الضخم. هذا القرار، الذي أُعلن في أعقاب مقابلة أجراها الرئيس عبد المجيد تبون في فبراير 2025، يُعد تحولًا غير متوقع يحمل دلالات جيوسياسية عميقة.

بدلاً من الصين، برزت شركة CMA-CGM الفرنسية، بقيادة الملياردير الفرنسي-اللبناني رودولف سعده، كمرشح محتمل لتولي تنفيذ مشروع ميناء الحمدانية. وفي 2 يونيو 2025، استقبل الرئيس تبون سعده، الذي يمتلك أيضًا قناة BFMTV الإخبارية، في لقاء يُعتقد أنه مهد الطريق لهذا التحول. هذا الاختيار يعكس توجهًا جديدًا في السياسة الجزائرية، حيث تسعى البلاد إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية والابتعاد عن الاعتماد الكلي على قوى اقتصادية معينة.

السياق الجيوسياسي: ميناء الحمدانية وقضية الصحراء

يأتي قرار استبعاد الصين من مشروع ميناء الحمدانية في وقت تشهد فيه المنطقة توترات جيوسياسية معقدة، لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. تُعتبر هذه القضية محورية في السياسة الخارجية الجزائرية، بينما يروج المغرب لخطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى قرار الجزائر بالتخلي عن التعاون مع الصين كمحاولة للضغط على بكين لعدم دعم المبادرة المغربية.

خلال جلسة التصويت على القرار 2654 في أكتوبر 2023، أعربت الصين عن دعمها لحل سياسي يحظى بقبول جميع الأطراف في قضية الصحراء، مؤكدة على أهمية تمديد ولاية بعثة المينورسو مع مراعاة الوضع الميداني ومواقف الأطراف المعنية. كما جددت الصين هذا الموقف في التصويت على القرار 2756 في 31 أكتوبر 2024. وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المغرب في 21 نوفمبر 2024، أكد على العلاقات القوية بين البلدين، مشيرًا إلى استعداد الصين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب. هذا الموقف قد يكون أحد العوامل التي دفعت الجزائر إلى إعادة تقييم شراكتها مع الصين في مشروع ميناء الحمدانية.

دور CMA-CGM في مشروع ميناء الحمدانية

على الرغم من أن شركة CMA-CGM معروفة بإدارتها لمحطات تفريغ الحاويات وليس ببناء الموانئ، إلا أن خبرتها الواسعة في إدارة العمليات اللوجستية تجعلها مرشحًا قويًا لتولي دور رئيسي في مشروع ميناء الحمدانية. تمتلك الشركة حضورًا قويًا في المغرب، المنافس الإقليمي للجزائر، حيث تتولى إدارة نصف محطة الحاويات في مشروع ناظور-غرب المتوسط. في 29 أكتوبر 2024، أعلنت CMA-CGM عن تعاونها مع مرسى المغرب لتجهيز وتشغيل هذه المحطة، وهو ما يعزز من مكانتها كلاعب رئيسي في قطاع الموانئ بالمنطقة.

في اليوم السابق، وقّع رودولف سعده بروتوكول اتفاق استراتيجي مع فؤاد بريني، رئيس ميناء طنجة-المتوسط، خلال حفل رسمي حضره الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا التعاون يعكس العلاقات الوثيقة بين CMA-CGM والمغرب، مما يثير تساؤلات حول كيفية إدارة الشركة لعلاقاتها مع الجزائر في ظل المنافسة الإقليمية الحادة.

الشراكات الدولية: الجزائر وبريطانيا

قبل شهرين من إعلان المملكة المتحدة دعمها الرسمي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في 1 يونيو 2025، وقعت الجزائر اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع شركات بريطانية في لندن بقيمة مليار دولار. هذه الشراكات تُظهر سعي الجزائر لتنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. ويُعتقد أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز مكانة ميناء الحمدانية كمشروع استراتيجي يجذب استثمارات دولية متنوعة.

تداعيات التحول في ميناء الحمدانية

إن قرار الجزائر بالتخلي عن التعاون مع الصين في مشروع ميناء الحمدانية لصالح شركاء آخرين، مثل CMA-CGM، يحمل تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة. من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يساهم هذا التحول في جذب استثمارات أوروبية إلى الجزائر. ومع ذلك، فإن هذا القرار قد يؤثر على العلاقات مع الصين، التي تُعتبر شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا في العديد من المشاريع الإفريقية.

من الناحية السياسية، يُنظر إلى هذا التحول كجزء من استراتيجية الجزائر للضغط على الأطراف الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. ومع ذلك، فإن تعاون CMA-CGM مع المغرب في مشاريع مثل ناظور-غرب المتوسط قد يُعقد هذا التوجه، حيث تسعى الجزائر إلى تحقيق توازن دقيق بين تعزيز اقتصادها الوطني وتأكيد مواقفها السياسية.

الخاتمة: مستقبل ميناء الحمدانية

يُمثل مشروع ميناء الحمدانية ركيزة أساسية في خطط الجزائر لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها في التجارة الدولية. ومع التحول الاستراتيجي نحو شركاء جدد مثل CMA-CGM، تُظهر الجزائر مرونة في التعامل مع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية. ومع ذلك، يبقى نجاح المشروع مرهونًا بقدرة الجزائر على إدارة توازناتها الإقليمية والدولية، خاصة في ظل المنافسة الحادة مع المغرب والتوترات المرتبطة بقضية الصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى