
المغرب ورقة بوكر جيواستراتيجية: الرباط تفرض قواعد جديدة للعبة
تحول المغرب في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه “ورقة بوكر” في لعبة النفوذ الجيواستراتيجية التي تتقاطع فيها مصالح القوى الدولية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وبشكل خاص في محيط مضيق جبل طارق، البوابة البحرية الأكثر حساسية بين أوروبا وإفريقيا.
هذا ما أكدته وكالة أوروبا سور الإسبانية في تقرير موسع حلل فيه التحولات العميقة التي طرأت على موقع المملكة في المعادلات الإقليمية والدولية، مشيرة إلى أن المغرب ورقة بوكر تضعها واشنطن وتل أبيب وبروكسيل وأبو ظبي وموسكو على طاولاتها.
المغرب ورقة بوكر في معادلة الدفاع
وكشفت الوكالة أن صعود المغرب على الساحة الإقليمية يعود، جزئيا، إلى السياسة الأمريكية خلال إدارة دونالد ترامب، والتي فتحت باب التسليح واسعا أمام الرباط، وجعلت منها حليفا عسكرياً موثوقاً في شمال إفريقيا. في مقابل دعم موسكو الثابت للجزائر، حسمت واشنطن موقفها باختيار المغرب ورقة بوكر في مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي، خاصة بعد تزايد التوترات المرتبطة بالصحراء المغربية وليبيا والساحل.
تقرير الوكالة أشار إلى صفقات تسليح ضخمة حصلت عليها الرباط خلال العقد الأخير، بقيمة ناهزت 8.5 مليار يورو، وشملت أنظمة قتالية متقدمة مثل قاذفات HIMARS، التي قلبت موازين الحرب في أوكرانيا، وصواريخ Harpoon Block II، ومقاتلات F-16، إلى جانب مروحيات “أباتشي” الهجومية و”شينوك” للنقل، ما يجعل من المغرب ورقة بوكر حاسمة في يد البنتاغون لمواجهة التمدد الروسي والدور المتقلب للجزائر.
من المتوسط إلى الخليج: المغرب ورقة بوكر في مشهد اقتصادي متشابك
لكن موقع المغرب الاستراتيجي لا يقتصر على البعد العسكري فحسب، بل يمتد إلى فضاءات التعاون الاقتصادي والسياسي، خاصة مع دول الخليج العربي. فالرباط، بحسب التقرير، نجحت في ترجمة قوتها الدبلوماسية إلى شراكات استراتيجية، أبرزها الاتفاق الذي وقعته مع الإمارات في منتصف العام الماضي، والذي شمل مجالات حيوية مثل التعدين، الأمن الغذائي، النقل، الخدمات اللوجستية، والاتصالات.
واعتبرت أوروبا سور أن هذا التموقع الجديد يُعزز فكرة أن المغرب ورقة بوكر تستخدمها دول الخليج في مقابل ابتعادها المتزايد عن الجزائر، الخصم الإقليمي للمملكة والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. ويبدو أن الرؤية المغربية بخصوص الصحراء، مدعومة أمريكياً وخليجياً، باتت تحظى بقبول أوسع ضمن التكتلات الإقليمية، في حين لا تزال الجزائر تراهن على دعم روسي بات أقل تأثيراً في الساحة المغاربية.
تقاطع المصالح الدولية: المغرب ورقة بوكر في توازنات معقدة
الرباط اليوم، وفق التقرير، أصبحت أكثر من مجرد لاعب في المنطقة. هي ورقة بوكر فعالة في توازنات معقدة بين الغرب والشرق، وبين الشمال والجنوب. فالولايات المتحدة لا ترى في المغرب فقط شريكاً عسكرياً، بل كذلك ممراً اقتصادياً واستراتيجياً بالغ الأهمية، خصوصاً في ظل تسارع مشاريع البنية التحتية المغربية، ومنها ميناء الداخلة الأطلسي، والربط القاري مع أوروبا عبر مشروع النفق البحري مع إسبانيا.
وفي الوقت نفسه، تحتفظ فرنسا والاتحاد الأوروبي بعلاقات اقتصادية وثقافية قوية مع الرباط، رغم بعض التوترات الدبلوماسية المتفرقة. أما إسرائيل، فقد دخلت على خط التحالفات مع المغرب بقوة منذ اتفاقيات أبراهام، وراكمت مصالح أمنية وتجارية تجعل من المغرب ورقة بوكر داخل منظومة التفاهمات الجديدة في الشرق الأوسط.
المغرب ورقة بوكر بعيون العالم: النفوذ لا يعرف حدودا
واختتمت وكالة أوروبا سور تقريرها بجملة رمزية: “لعبة المغرب لا تعرف الحدود”، مؤكدة أن المغرب ورقة بوكر حقيقية في لعبة الأمم، إذ يتحرك ضمن منطق براغماتي يوازن بين التحالفات الكبرى، ويعتمد مقاربة تنموية داخلية تواكب تحولاته الجيوسياسية.
وفي الوقت الذي تراهن فيه قوى إقليمية على إثارة التوترات واستثمار الخلافات القديمة، يواصل المغرب تعزيز مواقعه بهدوء، مستفيداً من استقراره الداخلي، وتماسك مؤسساته، واتساع شبكته الدبلوماسية التي تمتد من واشنطن إلى أبو ظبي، ومن تل أبيب إلى باريس، ومن الرياض إلى بروكسيل. إنه المغرب ورقة بوكر في عالم لا مكان فيه للحياد.