الحكم الذاتي

البرلمان البريطاني: دعوات لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية

في تطور سياسي لافت، بدأ اسم البوليساريو يظهر بقوة داخل أروقة البرلمان البريطاني، وسط موجة من التساؤلات والمخاوف بشأن أنشطة الجبهة الانفصالية وارتباطاتها المتزايدة بجماعات متطرفة.

الحراك البريطاني يأتي ضمن ديناميكية دولية تتوسع بسرعة، تقودها أصوات في الولايات المتحدة وأوروبا، تسعى إلى تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية بعد تواتر التقارير عن صلاتها بإيران، وحزب الله، وتنظيمات مسلحة تنشط في شمال وغرب إفريقيا.

اللافت في هذه التحركات هو أنها لم تعد مقتصرة على المؤسسات الأمنية أو مراكز الأبحاث، بل باتت موضوعا للنقاش العلني في برلمانات الدول الغربية، وفي مقدمتها البرلمان البريطاني. حيث طالب نواب بضرورة إعادة النظر في التعامل مع البوليساريو، على خلفية تقارير مثيرة للقلق صدرت عن مؤسسات أمريكية مرموقة.

من واشنطن إلى لندن: جبهة دبلوماسية لمواجهة التهديد

منذ بداية عام 2024، ظهرت ملامح تحول في موقف بعض الدول الغربية من البوليساريو، خصوصا بعد إصدار مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي مركز أبحاث أمريكي نافذ في دوائر صنع القرار، تقريرا وصف فيه الجبهة بـ”الوكيل الإيراني في شمال إفريقيا”. أشار التقرير إلى أن مقاتلي البوليساريو تلقوا دعما ماليا وعسكريا من حزب الله، عبر وساطة السفارة الإيرانية في الجزائر.

هذه المعلومات دفعت المغرب في 2018 إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وهو ما صرح به آنذاك وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قائلا إن “حزب الله أرسل صواريخ من نوع سام-9 وسام-11 وستريلا إلى البوليساريو”، في تنسيق تم بين بيروت والجزائر. تلك التصريحات وجدت صدىً في أوساط السياسة البريطانية، وأثارت حفيظة نواب داخل البرلمان البريطاني الذين دعوا الحكومة إلى إعادة تقييم موقفها من الجبهة.

الجزائر في قلب الاتهامات

تقارير مراكز الأبحاث والتحقيقات الاستقصائية لم تكتف بتسليط الضوء على إيران فقط، بل ركزت بشكل مباشر على الدور الجزائري في دعم البوليساريو. إذ تشير البيانات إلى أن الجزائر لم تكتفِ باحتضان الجبهة في مخيمات تندوف، بل وفرت لها التدريب، التمويل، وحتى جوازات السفر، ضمن استراتيجية يُنظر إليها على أنها محاولة لإضعاف المغرب إقليميًا.

أكثر من ذلك، تشير الوثائق إلى أن تلك المخيمات تحولت إلى أرض خصبة لتجنيد عناصر متطرفة من قبل تنظيمات مثل “القاعدة في المغرب الإسلامي” و”داعش في الساحل”، وهو ما يُنذر بتحول الجبهة إلى مصدر تهديد يتجاوز حدود الصراع مع المغرب.

البرلمان البريطاني والبوليساريو: مناقشات صريحة

في جلسات متفرقة خلال الأشهر الأخيرة، ناقش أعضاء من البرلمان البريطاني طبيعة العلاقات المشبوهة التي تربط البوليساريو ببعض الأنظمة والجماعات المتطرفة. وطرحت أسئلة صريحة أمام وزارة الخارجية البريطانية بشأن تمويل منظمات غير حكومية يشتبه في نقلها دعما إنسانيا مشروطا للجبهة.

بعض النواب البريطانيين أشاروا إلى ضرورة التحقيق في استخدام المساعدات الإنسانية في تندوف، وسط تقارير تتحدث عن تحويل جزء منها لأغراض عسكرية. وقد طالب عدد منهم الحكومة البريطانية بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا لدراسة جدوى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، خاصة بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت الأراضي المغربية.

أحداث على الأرض تغذي المخاوف

في نوفمبر 2024، استهدفت الجبهة مناطق مغربية بصواريخ انطلقت من داخل الجزائر، بالتزامن مع الاحتفالات بذكرى المسيرة الخضراء. وسجلت مناطق مثل السمارة في الصحراء المغربية هجمات متكررة في أكتوبر ونوفمبر 2023، أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين. هذه الهجمات وُثّقت من قبل الإعلام المغربي، وأكدت تقارير استخباراتية أنها حملت بصمات دعم خارجي.

كما يُشير خبراء الأمن إلى مسيرة عدنان أبو الوليد الصحراوي، الذي انضم سابقا للبوليساريو قبل أن يصبح زعيما بارزا في “داعش” بمنطقة الساحل، كمثال على العلاقة بين الجبهة والتنظيمات المتطرفة. قُتل الرجل في عملية فرنسية عام 2021، لكن إرثه ترك أثرًا في النقاشات الجارية داخل البرلمان البريطاني.

قنصلية الداخلة: دعم أمريكي يُعزز الموقف المغربي

بالتوازي مع هذه التطورات، تتزايد الضغوط داخل واشنطن لفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة، في إشارة قوية لدعم سيادة المغرب على صحرائه. وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من نهج استراتيجي جديد في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه شمال إفريقيا، وهي نقطة تتابعها دوائر بريطانية عن كثب، خصوصًا في ظل التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة.

وفي هذا السياق، ترى بعض الأوساط في البرلمان البريطاني أن اتخاذ موقف واضح من البوليساريو، سيكون خطوة حاسمة لحماية المصالح الأوروبية في الجنوب المتوسطي، ومواجهة التغلغل الإيراني في إفريقيا.

حملات شعبية تُواكب التحركات السياسية

إلى جانب التحركات الرسمية، برزت على الساحة حملة مدنية بريطانية بعنوان “بريطانيون يرفضون البوليساريو”، تطالب بإنهاء الدعم غير المباشر للجبهة، والضغط على الحكومة لاتخاذ موقف مشابه للموقف الأمريكي المرتقب. وأكد منظمو الحملة أن الشعب البريطاني لا يجب أن يكون طرفًا في دعم تنظيم يحمل بصمات متطرفة ويهدد الأمن الإقليمي.

وتعمل الحملة على رفع الوعي بخطورة الموقف في الصحراء، عبر فعاليات وجلسات نقاشية في الجامعات ومراكز الفكر، مطالبةً بمحاسبة المنظمات التي تُستغل لنقل مساعدات إلى مناطق تسيطر عليها الجبهة.

تحول في المعادلة الدولية؟

الواضح أن التعامل الدولي مع البوليساريو بدأ يشهد تحولاً جذريًا. ومع تصاعد النقاش داخل البرلمان البريطاني، ووضوح موقف مراكز التفكير الأمريكية، لم يعد التصنيف الإرهابي للجبهة احتمالاً بعيداً.

الأسابيع المقبلة قد تحمل مفاجآت، خصوصًا إذا قررت لندن وواشنطن التنسيق على أرضية أمنية مشتركة. والسؤال الآن: هل ستكون البوليساريو أول تنظيم انفصالي في إفريقيا يُصنف كـ”إرهابي” من قِبل دولتين من أكبر الديمقراطيات الغربية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى