الحكم الذاتي

الحكم الذاتي… تصاعد المطالب بتنحي غالي زعيم البوليساريو

بينما يعيش قاطنو مخيمات تندوف على وقع أزمات إنسانية متراكمة، بدأت الأصوات المطالِبة بالتغيير تتصاعد داخل الجبهة الانفصالية، في مؤشر واضح على تآكل سلطة إبراهيم غالي، الزعيم الحالي للبوليساريو، الذي بات وجوده على رأس التنظيم يثير الكثير من الجدل والرفض.

عريضة تطالب بتنحي غالي ومبادرة الحكم الذاتي في الواجهة

ففي لحظة تحاكي مخاضا داخليا يشي بتغير كبير في موازين القوة، أطلق مجموعة من الصحراويين عريضة غير مسبوقة تطالب بتنحي غالي وانتخاب قيادة جديدة، في خطوة تعكس بوضوح حجم السخط الشعبي داخل المخيمات. كل هذا يأتي في وقت تتزايد فيه القناعة، محليًا ودوليا، بأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي السبيل الوحيد لتجاوز هذا الوضع المتأزم وإنهاء معاناة عشرات الآلاف من المحتجزين في ظروف قاسية.

العريضة التي اختير لها تاريخ رمزي، يتزامن مع الذكرى 52 لتأسيس البوليساريو، جاءت كمحاولة لكسر حالة الجمود والانغلاق السياسي الذي تعيشه الجبهة منذ سنوات. فالمشاركون في هذه المبادرة هم كوادر وناشطون من داخل المخيمات، كثير منهم محسوبون على الجيل الذي نشأ في بيئة غارقة في الوعود المؤجلة. لكنهم اليوم يدركون أن المشروع الانفصالي قد وصل إلى طريق مسدود. وأن الاستمرار في تجاهل مبادرات الحل الواقعية، وعلى رأسها الحكم الذاتي، لم يعد ممكنا أو مقبولا.

دعوات إلى مؤتمر استثنائي

الموقعون على العريضة دعوا إلى عقد “مؤتمر استثنائي” في أفق شتنبر 2025، يكون بمثابة منصة لإعادة تقييم المشروع برمّته، من الداخل. بعيدا عن الخطابات الجوفاء التي قادت الجبهة إلى عزلة داخلية وخارجية.

وشدد هؤلاء على ضرورة تبني قوانين تنظيمية تضمن مشاركة كل من يؤمن بمبادئ الجبهة، من أجل إصلاح شامل يعيد الاعتبار لـ”القضية الصحراوية” كما يصفونها. غير أن هذه الدعوات، رغم ظاهرها الإصلاحي، تعكس في العمق إدراكا متزايدا داخل الجبهة بأن الطرح الانفصالي أصبح خيارا خاسرا. في ظل دعم دولي متنامٍ لمبادرة الحكم الذاتي، التي طرحتها المملكة المغربية منذ 2007، والتي نالت إشادة الأمم المتحدة وعدد متزايد من الدول الكبرى، حسب منتدى “فورستاين”.

ويتقاطع هذا الحراك الداخلي مع تصريحات لافتة أدلى بها بشير مصطفى السيد، أحد أبرز مؤسسي البوليساريو. عبر فيها عن قلقه العميق من الاتجاه الذي تسلكه الجبهة. منتقدا صراحة حصيلة غالي منذ توليه القيادة سنة 2016. وأكد السيد أن قرار العودة إلى العمل المسلح سنة 2020 لم يأت بأي مكاسب، بل زاد من عزل الجبهة وعمق مآسي السكان، خصوصا مع تنامي القمع الداخلي وانعدام أفق سياسي واضح. ويبدو أن هذا النقد الصريح من الداخل زاد من جرأة المطالبين بالتغيير، ممن يرون في المؤتمر الاستثنائي فرصة أخيرة لإنقاذ التنظيم من السقوط الحر.

الجزائر ومبادرة الحكم الذاتي

وتزامن نشر العريضة مع لقاء جمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإبراهيم غالي نهاية أبريل الماضي، وهو اللقاء الذي أُحيط بالكثير من الترقب. خاصة مع تواتر الأنباء حول ضغوط جزائرية متزايدة لإعادة هيكلة قيادة الجبهة.

وتكشف هذه التحركات، وإن لم تعلن رسميا، عن رغبة ضمنية لدى الجزائر في تجديد الواجهة السياسية للبوليساريو، وربما الدفع بأسماء بديلة تكون أكثر قدرة على المناورة، في وقت لم تعد فيه فكرة الانفصال تحظى بأي دعم دولي معتبر.

واللافت أن هذه التطورات تأتي تزامنا مع عودة عبد القادر طالب عمر إلى المخيمات، بعدما أنهى مهامه كممثل للجبهة لدى الجزائر. طالب عمر الذي شغل سابقا منصب رئيس الحكومة داخل الجبهة، عين حديثا في المكتب الدائم للأمانة الوطنية وتم تكليفه بوزارة التعليم، وهي مؤشرات قوية على احتمال تصعيده إلى القيادة خلال المرحلة المقبلة.

انشقاقات بين كوادر الانفصاليين

من جهة أخرى، يُنتظر أن يُعقد المؤتمر العادي المقبل للجبهة في يناير 2026، لكن تصاعد المطالب الداخلية بالتغيير قد يعجل بعقد مؤتمر استثنائي قبل ذلك الموعد، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إلا أن ما يغيب عن هذا النقاش الداخلي هو الاعتراف الصريح بالحقيقة التي لم تعد قابلة للإنكار: أن حل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية يمر حصرا عبر مبادرة الحكم الذاتي، التي تضمن كرامة الصحراويين وتضع حدا لمعاناتهم داخل المخيمات، في إطار احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية.

إن الارتباك الظاهر داخل قيادة البوليساريو، وتنامي الأصوات المطالِبة بالإصلاح، يشيران إلى مرحلة جديدة من إعادة التقييم الذاتي داخل التنظيم. لكن هذه المراجعة تبقى قاصرة ما لم تقترن بإرادة حقيقية في إنهاء وهم “الاستقلال”، الذي لا يجد له أي صدى لدى المنتظم الدولي. ومن هذا المنطلق، يبرز خيار الحكم الذاتي كحل سياسي متوازن، يحفظ مصالح الجميع، ويقطع مع عقود من الضياع والارتهان لأجندات إقليمية لا تخدم مصلحة السكان.

وفي وقت تتوسع فيه رقعة الدول الداعمة لمقترح المغرب، الذي يعتبر الصحراء جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني، تجد جبهة البوليساريو نفسها في موقع دفاعي هش، عاجزة عن تقديم بدائل مقنعة سوى العودة إلى لغة التهديد والسلاح، التي لم تعد تقنع حتى أنصارها.

وبينما ينفتح المغرب على آفاق التنمية في أقاليمه الجنوبية، ويواصل استثماراته في البنية التحتية والخدمات، لا يزال سكان تندوف يُواجهون ظروفا إنسانية صعبة، بسبب قيادة ترفض الواقع وترفض الحل، رغم أن الحكم الذاتي يبقى الباب الوحيد المفتوح نحو المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى