
البوليساريو منظمة إرهابية.. لندن تفتح الباب
في تطور جديد يحمل أبعادا سياسية وأمنية بالغة الأهمية، ألمح وزير الأمن البريطاني دان جارفيس إلى أن الحكومة البريطانية بصدد دراسة إمكانية تصنيف جبهة البوليساريو منظمة محظورة، وهو ما يشكل أول إشارة من نوعها من طرف لندن تجاه هذا الكيان الذي يدعي تمثيل سكان الصحراء المغربية.
إشارات من لندن حول تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية
وجاءت هذه التصريحات اللافتة خلال جلسة مساءلة في مجلس العموم البريطاني، حين طرح النائب المحافظ تشارلي ديوهيرست سؤالا مباشرا حول احتمال إدراج البوليساريو ضمن قائمة المنظمات المحظورة، في سياق التهديدات الأمنية والأنشطة المشبوهة المنسوبة للجبهة في منطقة الساحل والصحراء. وكان رد وزير الأمن مقتضبا لكنه محمّل بالدلالات، إذ أكد أن “لندن تراجع بشكل دائم قائمة الجماعات المصنفة كمنظمات إرهابية”، مضيفا أن الحكومة “لا تعلق عادة على قضايا أمنية أو استخباراتية محددة”.
التصريح لم يمر مرور الكرام، بل اعتبره مراقبون تمهيدا واضحا نحو تصنيف البوليساريو منظمة محظورة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات الدولية من ارتباطات هذه الجبهة ببعض الشبكات المتطرفة في الساحل، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات.
موقف اقتصادي من الاستثمار البريطاني في الصحراء المغربية
وفي ذات الجلسة، أثار النائب ذاته مسألة موقف الحكومة البريطانية من الاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. وردا على السؤال، شدد وزير الدولة المكلف بالأعمال والتجارة، دوغلاس ألكسندر، على أن “قرار الاستثمار في الصحراء يعود إلى الشركات الخاصة بناء على المعلومات المتوفرة لديها”، موضحا أن “المنتجات القادمة من المنطقة وتخضع لرقابة الجمارك المغربية تستفيد من نفس التفضيلات الجمركية التي تمنحها لندن بموجب اتفاقية الشراكة البريطانية المغربية”.
هذا التأكيد يوضح أن لندن لا تعارض من حيث المبدأ التبادل التجاري مع الأقاليم الجنوبية، ما يعكس اعترافا عمليا بوحدة التراب المغربي، رغم المواقف السياسية الرمادية.
علاقات مغربية بريطانية تتطور رغم الغموض الدبلوماسي
سبق للحكومة البريطانية أن أعربت عن دعمها لجهود الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل “سياسي، عادل، ودائم” لقضية الصحراء، وهو المصطلح الذي يثير كثيرا من الجدل حول مدى حيادية لندن. غير أن الواقع الاقتصادي يعكس اتجاها مغايرا، حيث تستثمر بريطانيا في مشاريع كبرى داخل المملكة، بما فيها مشاريع البنية التحتية المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030، الذي ستحتضنه المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
كما كشف ألكسندر عن تنسيق دائم بين وزارة الخارجية البريطانية ووزارة الأعمال والتجارة والبنك المركزي البريطاني، بخصوص تعزيز الصادرات البريطانية نحو شمال إفريقيا، وعلى رأسها المغرب. هذا التنسيق يعزز فرضية أن العلاقات الاقتصادية تتقدم بخطى أسرع من المواقف الدبلوماسية التقليدية.
ضغط داخلي متزايد لتغيير الموقف البريطاني من النزاع
في ظل الاعتراف الأمريكي الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ودعم فرنسا وإسبانيا المتزايد لمقترح الحكم الذاتي المغربي، يجد البرلمان البريطاني نفسه أمام ضغوط متزايدة لتحديد موقف واضح من القضية، يتماشى مع التطورات الجيوسياسية الحاصلة في القارة الإفريقية.
ويرى مهتمون بالشأن السياسي البريطاني أن التصريحات الأخيرة حول احتمال تصنيف البوليساريو منظمة محظورة تمثل بداية تحرك جديد في تعاطي لندن مع ملف ظل لسنوات حبيس الغموض. كما اعتبروا أن استمرار بريطانيا في تبني موقف “الحياد الظاهري” لم يعد مجدياً في ظل ما وصفوه بـ”تغير موازين القوى الإقليمية والدولية”.