
دول الساحل: الجزائر تنتقم وترحل مهاجرين أطفال ونساء
في تصعيد جديد لملف الهجرة غير النظامية في دول الساحل، شرعت الجزائر في تنفيذ موجة جديدة من الترحيلات الجماعية، أثارت موجة استياء دولية وحقوقية. المهاجرون، وغالبيتهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وجدوا أنفسهم فجأة خارج الحدود، في ظروف إنسانية صعبة، دون حماية قانونية واضحة، ما يعكس عمق الأزمة التي تعيشها المنطقة.
ترحيل جماعي من الجزائر إلى النيجر يثير الانتباه
وصل، يوم السبت الماضي ما يقارب 1.141 مهاجرا غير نظامي إلى بلدة أساماكا، الواقعة في أقصى شمال النيجر، بعد أن قامت السلطات الجزائرية بترحيلهم بشكل جماعي. هذا ما أكدته مصادر في منظمات غير حكومية محلية لوكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، مشيرة إلى أن هذه الدفعة تُعد الأولى خلال شهر أبريل الجاري.
وحسب المعطيات الرسمية لشرطة أساماكا، التي تعمل بتنسيق مع منظمات إنسانية دولية، تضم المجموعة 41 امرأة و12 طفلا، في مشهد وصفه النشطاء بـ”المأساوي”، خصوصا في ظل الأوضاع المناخية الصعبة وقلة الإمكانيات في المنطقة.
مهاجرون من 17 جنسية مختلفة ضمن المرحلة الجديدة
ما يثير القلق في دول الساحل، أن هؤلاء المرحلين ينتمون إلى 17 جنسية مختلفة، وهو ما يعكس الطابع الدولي للمشكلة. وتوزعت الجنسيات على النحو التالي:
-
20 شخصا من النيجر،
-
70 من بنين،
-
54 من بوركينا فاسو،
-
24 من الكاميرون، بالإضافة إلى جنسيات أخرى تشمل ساحل العاج، غامبيا، غينيا، نيجيريا، الصومال، السودان، وبنغلاديش.
وقد بلغ عدد المرحلين من الجزائر إلى النيجر منذ بداية أبريل ما يقارب 4000 شخص، وفق تقديرات غير رسمية، مما يطرح تساؤلات جدية حول سياسات الهجرة الإقليمية في دول الساحل.
تصاعد خطاب الكراهية ضد المهاجرين في الداخل الجزائري
في موازاة هذه الإجراءات، تشهد الجزائر تصاعدًا في الخطاب العنصري على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت شعارات مثل: “الجزائر للجزائريين” و”طرد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء أصبح ضرورة وطنية”.
هذا الخطاب يعكس تزايد التوتر الاجتماعي، ويزيد من الضغوط على الحكومة الجزائرية التي تبدو عازمة على إفراغ البلاد من المهاجرين غير النظاميين، ولو على حساب حقوق الإنسان.
ومن المثير للاهتمام أن الجزائر تستثني فئة معينة من عمليات الترحيل، ويتعلق الأمر بـاللاجئين الماليين من الطوارق. هذه الفئة، حسب مصادر دبلوماسية، تحظى بحماية غير مباشرة من السلطات الجزائرية، نظرا لعلاقاتها ببعض فصائل المعارضة المسلحة في منطقة الأزواد، التي تتبنى مواقف مناهضة للحكومة الانتقالية في مالي. ويعتقد أن الجزائر تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع هذه الفصائل، ما يفسر هذا الاستثناء اللافت.
كما تكشف الأرقام الرسمية عن تصاعد حاد في عمليات الترحيل من الجزائر، حيث تم ترحيل أكثر من 30 ألف مهاجر خلال سنة 2024، مقارنة بـ26 ألفا في 2023. هذه المعطيات تضع الجزائر في مقدمة الدول التي تعتمد سياسات قمعية للهجرة في منطقة دول الساحل، رغم إدراكها لحجم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها دول المهاجرين.
الأمم المتحدة تنتقد الجزائر وتدعو لموقف إنساني
أمام هذه التطورات، لم تقف الأمم المتحدة مكتوفة الأيدي. فقد دعت الجزائر إلى وقف عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين، معتبرة أن ما يحدث يمثل انتهاكا واضحا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
رافينا شامدساني، المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، صرّحت من جنيف أن “عمليات الترحيل تصاعدت منذ النصف الثاني من عام 2017، وقد زار فريق حقوقي تابع للأمم المتحدة النيجر مؤخرا للتحقيق في الشكاوى المتزايدة”.
من جهته، رد حسان قاسمي، المسؤول عن ملف الهجرة في وزارة الداخلية الجزائرية، على الانتقادات الدولية بالقول إن “الجزائر تحتاج إلى دعم حقيقي من المجتمع الدولي”، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة “لم تقدم المساعدة اللازمة لمواجهة تدفق المهاجرين من دول مثل مالي والنيجر”.
ويؤكد قاسمي أن البلاد تتحمل أعباء ثقيلة في ظل غياب خطة شاملة لتقاسم المسؤولية داخل منطقة دول الساحل.
وتشكل أزمة الهجرة غير النظامية واحدة من أعقد القضايا في دول الساحل، فهي لا تقتصر على البعد الأمني فقط، بل تتقاطع مع مشكلات الفقر، النزاعات المسلحة، التغيرات المناخية، وانعدام فرص العيش الكريم.
ويرى محللون أن التركيز المفرط على الحلول الأمنية، دون معالجة الجذور الاقتصادية والسياسية للأزمة، لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور وتوسيع رقعة المعاناة.
دعوات لحلول متكاملة وتعاون إقليمي موسع
أمام هذه الوقائع، تتزايد الدعوات داخل وخارج دول الساحل إلى تبني مقاربة شاملة لإدارة ملف الهجرة، تقوم على التوازن بين حماية الحدود واحترام حقوق الإنسان. من أبرز المقترحات:
-
تعزيز التعاون بين دول المنطقة،
-
تطوير برامج تنموية داخل الدول المصدرة للهجرة،
-
وإشراك منظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم والرعاية للمهاجرين.
هل تنجح دول الساحل في إيجاد توازن بين الأمن والإنسانية؟
تبقى قضية الترحيل الجماعي من الجزائر مؤشرا صارخا على هشاشة أنظمة الهجرة في دول الساحل، وغياب الآليات الإقليمية الفعالة لمعالجة واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في إفريقيا.
وفي انتظار حلول فعلية، يظل آلاف المهاجرين عالقين في دوامة التهميش والاضطهاد، بين حدود لا ترحم، وسياسات تعتبر الإنسان رقما في معادلة أمنية معقدة.