
تبون عبد المجيد: حملة “لا تذهب للعراق” تمويه لأزمة داخلية؟
بينما تعيش الجزائر لحظة من أشد لحظاتها تأزما على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، خرجت إلى العلن حملة إلكترونية مثيرة للجدل بعنوان “لا تذهب للعراق”، تستهدف الرئيس تبون عبد المجيد .
وتدعو الحملة عبد المجيد تبون لعدم تلبية دعوة رسمية لحضور القمة العربية المقررة في بغداد منتصف مايو المقبل. هذه الحملة، التي انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، تبدو للوهلة الأولى وكأنها نابعة من قلق شعبي عفوي على مصير الرئيس، لكنها في العمق قد تكون واحدة من الأدوات التي يجيد بها النظام تحويل الأنظار عن أزماته المتفاقمة داخليا وخارجيا.
تبون عبد المجيد في مهب الحملات
خلفيات الحملة تعيدنا إلى وقائع من التاريخ السياسي الجزائري، حيث استدعيت حادثة وفاة هواري بومدين بعد زيارته للعراق عام 1978، وكذلك مقتل وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى في حادث غامض عام 1982 خلال مهمة وساطة. هاتان الواقعتان تستخدمان اليوم ذريعة لبث الخوف من العراق، وكأن بغداد تحولت إلى ساحة لاصطياد الرؤساء الجزائريين. لكن المتابع للمشهد يرى بوضوح أن هذه الحملة لا تتعدى كونها تمرينا دعائيا يدار بعناية من داخل غرف السلطة، هدفه توجيه الخطاب السياسي نحو الخارج للهروب من مساءلات الداخل.
أزمة النظام وتدوير المخاوف: أين يقف تبون من كل هذا؟
تبون عبد المجيد، الذي وصل إلى السلطة في سياق سياسي غير مستقر بعد حراك شعبي أطاح ببوتفليقة، لم ينجح حتى اليوم في إقناع الجزائريين بأنه قادر على التغيير الحقيقي. الأزمة الاقتصادية تتعمق،و البطالة في ازدياد، والمشهد السياسي يبدو مغلقا أمام أي تنفس ديمقراطي. وسط هذا الواقع، يبدو أن النظام يعيد تدوير أساليب قديمة: زرع الخوف من العدو الخارجي، وخلق تهديدات مزعومة، مثلما يحدث الآن مع العراق.
الرسائل المنتشرة ضمن حملة “لا تذهب للعراق” لا تخلو من النبرة العاطفية، فقد انتشر مقطع لسيدة جزائرية تتوسل تبون بعدم السفر، في مشهد تم تقديمه كفورة وجدانية شعبية. لكن هل كانت تلك دموعاً صادقة فعلاً؟ أم أنها جزء من سيناريو يستهدف تضخيم حضور الرئيس كمحور اهتمام، فيما البلد يغرق في انعدام الثقة والعجز عن الإصلاح؟
استخدام العراق فزاعة: تكرار رواية الأمن القومي
من اللافت أن العراق، الدولة الشقيقة التي يحاول اليوم إعادة بناء نفسه رغم التحديات، أصبح فجأة مادة دسمة في إعلام النظام. يتم تصوير بغداد مدينة لا يمكن الوثوق بها، بلد مليء بالمؤامرات والمخابرات الأجنبية، وكأن تبون سيذهب إلى كابل أو خاركيف! بينما الحقيقة أن العراق كان من بين أول الحاضرين إلى قمة الجزائر عام 2022، وشهد حضورا لافتا في قمة الغاز في مارس 2024، ما يعكس متانة العلاقات الرسمية بين البلدين.
كل هذا يجعل التساؤل مشروعا: هل يخشى تبون عبد المجيد فعلا من السفر إلى بغداد؟ أم أن النظام يستغل هذه الحملة لتصويره كزعيم محاصر بالمخاطر الخارجية، كي يبرر مزيداً من الإجراءات القمعية أو الفشل في اتخاذ قرارات حاسمة على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي؟
الداخل يغلي: ولا جواب من تبون
وسط كل هذا الجدل، يغيب الجواب الحقيقي على السؤال الأهم: ماذا عن الداخل؟ ماذا عن أسعار المواد الأساسية التي
تتصاعد كل أسبوع؟ ماذا عن غياب الحريات؟ عن انهيار الثقة في المؤسسات؟ عن موجات الهجرة المتزايدة للشباب؟ عن صمت تبون عبد المجيد المطبق كلما احتجت مدينة أو تحرك عمال أو طلاب؟
الجواب الوحيد الذي يبدو أن النظام يقدمه هو حملة “لا تذهب للعراق”، وكأن العراق هو العدو، وليس البطالة والفقر والفساد السياسي. عبد المجيد تبون اليوم مطالب بإجابات واقعية، لا بأساطير مؤامرات لا يُصدقها إلا من يعيش في زمن الأبيض والأسود.
هل يتجه تبون إلى بغداد؟ القرار ليس فنياً، بل سياسياً بامتياز
حتى الآن، لم يصدر أي موقف رسمي واضح بشأن ما إذا كان تبون عبد المجيد سيشارك في قمة بغداد. لكن المؤكد أن أي قرار، سواء بالحضور أو الغياب، سيكون محملا بدلالات سياسية داخلية. وإن كان صحيحا أن زيارة من هذا النوع تحتاج إلى دراسة أمنية، فإن استغلال المخاوف وتحويلها إلى حملة عاطفية هو ما يثير القلق الحقيقي.
تبون عبد المجيد بات في وضع لا يُحسد عليه، إذ أن الحملة التي يفترض أنها لحمايته، تكشف في عمقها مدى هشاشة صورته أمام شعب يتابع ويقارن ويفهم أن القصة أكبر بكثير من مجرد قمة عربية.