كابرانات الجزائر

الشعب يريد إسقاط النظام.. المرزوقي يدعو لإنقاذ تونس

كتب الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي منشورا حادا ومؤثرا عبر فيه عن إحساسه العميق بالوضع المأساوي الذي آلت إليه تونس، مؤكدا أن اللحظة الحاسمة قد حانت، وأن صرخة “الشعب يريد إسقاط النظام” انطلقت أخيرا في شوارع العاصمة والمدن الأخرى. كما كان يتوقع منذ سنوات.

تونس من مفخرة الشعوب إلى لعبة بيد الأنظمة الأجنبية

وفي رسالته على منصة “إكس”، تحدث المرزوقي بنبرة مفعمة بالمرارة والأمل في آن معا. مذكرا التونسيين بسنوات الثورة المجيدة التي أعادت لهم كرامتهم، عندما كانت تونس – بين عامي 2011 و2014 . نموذجا ملهما للعالم بأسره. يومها، كانت البلاد دولة حرة، مستقلة القرار، تفرض احترامها على الجميع، لا كما هو الحال اليوم، حيث تحولت إلى “محمية” تُدار من وراء الستار عبر نفوذ قوى إقليمية ودولية، حسب تعبيره.

واستعرض المرزوقي كيف أن تونس التي كانت رمزا للأمل أصبحت اليوم أضحوكة الصحافة العالمية. من تقارير “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى “لوموند” الفرنسية و”القدس العربي”، كلها تتحدث عن تونس بنبرة الأسى والخسارة. وأضاف: “تونس كانت مفخرة الأحرار، واليوم أصبحت مسخرة يضرب بها المثل في الفشل والانهيار”.

وأوضح أن ما يجري اليوم هو نتيجة حتمية لانقلاب الرئيس قيس سعيد على الدستور، الذي اعتبره أول عقد اجتماعي حقيقي في تاريخ تونس الحديث، حيث قام سعيد بإلغائه بقرار فردي، محتميًا بانتخابات مشكوك في نزاهتها وبنسبة تصويت ادعى أنها بلغت 90%، وهي نسبة وصفها المرزوقي بـ”العلامة المسجلة للتزييف”.

واقع مأساوي يستحضر “الشعب يريد إسقاط النظام”

لم يتوقف المرزوقي عند السياسة فقط، بل قارن بين واقع المعيشة زمن الثورة واليوم. فرغم كل ما شاب تلك المرحلة من تحديات – من إرهاب وضغوط خارجية وإضرابات داخلية. كان التونسيون يحظون بمستوى معيشة كريم نسبيا، ويتمتعون بحرية لم يعرفوها من قبل.
أما اليوم، فالوضع الاقتصادي يزداد تدهورا، والبطالة والفقر ينهشان المجتمع، في ظل صمت رسمي وتجاهل مطبق لمعاناة الناس.

وأضاف الرئيس الأسبق: “كان التونسيون بصدد بناء دولة قانون ومؤسسات، لا تقل احتراما عن أعرق الديمقراطيات. وكانوا لأول مرة في تاريخهم مواطنين كاملي الحقوق، لا مجرد رعايا خاضعين”.

لا خلاص إلا بإسقاط النظام

وأكد المرزوقي أن لا خيار أمام التونسيين سوى الاستمرار في رفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام، معتبرا أن إسقاط هذا النظام ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، ليس فقط لإنقاذ الحاضر، بل من أجل تأمين مستقبل الأجيال القادمة.

وشدد على أن المطلوب ليس فقط إنهاء حكم الفرد، بل محاكمة كل من شارك وساهم ودعم هذا الانقلاب الذي دمر حلم الديمقراطية في تونس. وأكد أن هذا الواجب الوطني لا يمكن إنجازه إلا عبر مقاومة مدنية سلمية شاملة، تنطلق من كل شارع وزقاق ومؤسسة في البلاد.

وفي نبرة متفائلة رغم كل شيء، قال المرزوقي إن النظم الديكتاتورية دائما ما تبالغ في قوتها لكنها تسقط فجأة، مذكرا أن من أسقطوا نظام بن علي لم يتجاوز عددهم مائة ألف شخص: “هذه النسبة موجودة اليوم وأكثر… فتحركوا”، على حد قوله.

جريدة لوموند الفرنسية ترصد انتكاسة الوضع التونسي

في سياق متصل، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية المرموقة تقريرا مطولا كشفت فيه أن تونس، التي كانت في يوم من الأيام مهد “الربيع العربي”، تتحول منذ ثلاث سنوات إلى مسرح لانحدار سياسي خطير وسط عودة الاستبداد دون أية قيود.

وتناول المقال تفاصيل محاكمة وصفتها بـ”المهزلة القضائية”، أصدرت خلالها محكمة تونسية يوم السبت 19 أبريل أحكاما قاسية ضد نحو أربعين شخصية عامة من نشطاء سياسيين، حقوقيين، صحفيين ومثقفين، بالإضافة إلى رجال أعمال. بعض هذه الأحكام وصل إلى 66 سنة سجن، وسط تجاهل كامل لمبادئ العدالة وحقوق الدفاع.

ووصف المحامي التونسي “سمير ديلو” هذه المحاكمات بأنها “جنون قضائي”، معتبرا أنها لطخة عار في سجل تونس التي حازت على جائزة نوبل للسلام عام 2015 تقديرًا لمسيرتها الديمقراطية.

قمع المعارضة وصناعة الأوهام

كما كشفت الصحيفة أن السلطة الحالية بقيادة قيس سعيد استغلت مناخ الإحباط الشعبي لتضييق الخناق على المعارضة، متبنية خطابا شعبويا يروج لفكرة “مؤامرة على أمن الدولة”، وهي ذريعة واهية لقمع كل صوت معارض، حتى لو كان يعبر عن أفكاره بطريقة قانونية وسلمية.

أضافت “لوموند” أن سعيد بدلا من معالجة الأزمة السياسية والاجتماعية، انتهج سياسة تدمير ممنهج لكل مكتسبات ثورة 2011، مهاجمًا التعددية الحزبية وحرية التعبير، ومروجًا لنموذج “الديمقراطية المباشرة” التي لا تعدو كونها غطاء لحكم فردي مطلق.

الصمت الأوروبي المريب

انتقد المقال أيضا صمت الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، اللتين اكتفيتا بإبداء “القلق” دون اتخاذ خطوات فعلية لحماية الديمقراطية التونسية، خوفًا من اتهامات التدخل الأجنبي، وخشية فقدان التعاون مع نظام سعيد في ملف مكافحة الهجرة غير النظامية.

ووسط كل هذه المعطيات، يتأكد أن تونس تقف اليوم عند مفترق طرق خطير. فإما أن يواصل الشعب التونسي مقاومته المدنية السلمية ويحقق مطلبه المشروع الذي تلخصه الصرخة الخالدة الشعب يريد إسقاط النظام، أو تواصل البلاد الانزلاق نحو ديكتاتورية أكثر قمعًا وعزلة.

التاريخ لا يرحم، وكل تونسي اليوم مدعو لاستحضار مسؤولياته الوطنية. لا وقت للتردد. كما قال منصف المرزوقي: “خير البر عاجله، ولا بد لليل أن ينجلي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى