الحكم الذاتي

قيس سعيد يفتح ذراعيه للبوليساريو خدمة لأجندة الجزائر

في الآونة الأخيرة، بات اسم الرئيس التونسي قيس سعيد مرادفا للجدل السياسي، ليس فقط داخل تونس، بل على الساحة الإقليمية أيضا. قراراته الأخيرة، خاصة تقاربه الواضح مع جبهة البوليساريو الانفصالية أثارت موجة من الانتقادات بين المثقفين والسياسيين التونسيين، الذين يرون في هذا التوجه انحيازا لأجندة النظام العسكري الجزائري على حساب المصالح التونسية. هذا التحول، الذي يناقض الحياد التقليدي لتونس في قضية الصحراء المغربية، يضع البلاد في موقف دبلوماسي حساس، ويعمق الشرخ مع المغرب، الجار الغربي المهم.

قيس سعيد : خطوة تكرس الانحياز

لم يكن قرار قيس سعيد بالسماح لوفد من جبهة البوليساريو الانفصالية بالمشاركة في فعالية نظمتها جمعية تونسية حدثا عابرا. هذه الخطوة، التي تكررت بعد موافقته على مشاركتهم في منتدى “مخيم من أجل العدالة المناخية” بين 26 و30 شتنبر 2022، أثارت تساؤلات حول دوافع الرئيس. لماذا يصر قيس سعيد على دعم البوليساريو، بينما التزم أسلافه، مثل الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، بالحياد في هذا النزاع؟

الكثيرون يرون أن هذا التوجه ليس مجرد قرار دبلوماسي، بل انعكاس لتأثير جزائري متزايد على سياسات قيس سعيد. هذه الخطوات، التي تظهر تونس كداعم لموقف الجزائر، تجعل المصالحة مع المغرب أمرا بعيد المنال. النقاد يحذرون من أن هذا الانحياز قد يعرض تونس لعزلة إقليمية، خاصة في وقت تحتاج فيه إلى تعاون اقتصادي وسياسي مع جيرانها.

قيس سعيد والصدام مع المغرب

التوتر بين تونس والمغرب ليس وليد اللحظة. في غشت 2022، اتخذ قيس سعيد خطوة مثيرة للجدل عندما استقبل رئيس جبهة البوليساريو خلال قمة اليابان-إفريقيا في تونس. هذا الاستقبال، الذي اعتبر خرقا للحياد التونسي التقليدي، أثار غضب الرباط، التي ردت باستدعاء سفيرها في تونس. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر قيس سعيد في تأكيد هذا التوجه، مما جعل العلاقات بين البلدين في حالة من الجمود.

المحللون يرون أن قرارات قيس سعيد تعكس رغبة في إعادة صياغة السياسة الخارجية التونسية، لكن بتكلفة باهظة. ففي حين كانت تونس تعرف بحيادها الذي يحافظ على توازن دقيق بين المغرب والجزائر، يبدو أن قيس سعيد يميل بشكل واضح نحو الأخيرة. هذا الانحياز لا ينظر إليه فقط كتحد للمغرب، بل كتهديد للوحدة المغاربية التي طالما دعت إليها تونس.

قيس سعيد…  أداة سياسية؟

في 25 غشت 2024، أعلن قيس سعيد أن “الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير” هو أحد الثوابت الراسخة في الدبلوماسية التونسية. وكلف وزير الخارجية بتكرار هذا الموقف، الذي يتماشى بشكل واضح مع موقف الجزائر الداعم للبوليساريو الانفصالية. لكن هذه التصريحات لم تمر دون انتقادات. الكثيرون يرون أن قيس سعيد يستخدم هذا المبدأ كغطاء لتبرير دعمه لأجندة الجزائر، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار التونسي.

المنتقدون يشيرون إلى أن هذا الخطاب يتناقض مع نهج الرؤساء السابقين، الذين تجنبوا التورط في نزاعات إقليمية معقدة. بالنسبة لهم، فإن إصرار قيس سعيد على هذا الموقف لا يخدم سوى تعزيز النفوذ الجزائري في المنطقة، بينما يضر بالمصالح التونسية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

 مجهر النقد الداخلي

داخل تونس، لم يسلم قيس سعيد من الانتقادات الحادة. مثقفون وسياسيون عبروا عن قلقهم من تداعيات هذا التوجه، محذرين من أنه قد يؤدي إلى عزلة تونس إقليميا. يشير هؤلاء إلى أن الحياد كان دائما ركيزة أساسية في السياسة الخارجية التونسية، سمحت للبلاد بالحفاظ على علاقات متوازنة مع الجزائر والمغرب. لكن مع قيس سعيد، يبدو أن هذا الحياد قد أصبح من الماضي.

النقاد يحذرون من أن دعم قيس سعيد للبوليساريو قد يكون له تبعات اقتصادية وسياسية خطيرة. ففي وقت تعاني فيه تونس من أزمات اقتصادية، تحتاج البلاد إلى تعاون إقليمي أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، يرى البعض أن قيس سعيد يضحي بهذه العلاقات من أجل تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، تخدم أجندة خارجية أكثر مما تخدم تونس.

قيس سعيد ومستقبل تونس: إلى أين؟

مع تصاعد الجدل حول سياسات قيس سعيد، تجد تونس نفسها في مفترق طرق دبلوماسي. هل سيستمر قيس سعيد في دعم البوليساريو وتعزيز التحالف مع الجزائر، أم أنه سيعيد النظر في مواقفه لاستعادة التوازن في علاقاته الإقليمية؟ هذا السؤال يظل معلقا، لكن ما هو واضح أن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد ستشكل ملامح السياسة الخارجية التونسية لسنوات قادمة.

في الوقت الحالي، يبقى النقاش حول سياسات قيس سعيد محتدما. بين مؤيد يرى فيه رئيسا يدافع عن مبادئ ثورية، ومنتقد يخشى أن يقود البلاد نحو عزلة إقليمية، تظل تونس تحت المجهر. والسؤال الأكبر هو: هل سيتمكن قيس سعيد من تحقيق توازن بين طموحاته السياسية والمصالح الوطنية، أم أن تونس ستدفع ثمنا باهظا لقراراته؟ علما أن جل قراراته ، في الأونة الأخيرة، جعلت منه ديكاتورا يقمع المعارضين ويمارس الوصاية على الإعلام والقضاء وينكل بالمعتقلين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى