
العلاقات السورية المغربية: تقرير “دويتشه فيله” يربك البوليساريو
أثار التقرير الذي بثته قناة “دويتشه فيله” (DW) الألمانية الناطقة بالعربية حول إغلاق مقرات جبهة البوليساريو في دمشق موجة استياء عارمة داخل الجبهة الانفصالية. وجاء التقرير ليكشف عن مرحلة جديدة من العلاقات السورية المغربية والتفاهمات الثنائية التي بدأت تتبلور في الكواليس السياسية، وبلغت ذروتها بقرار إغلاق تمثيلية الجبهة من قبل السلطات السورية، كخطوة تعكس عمق هذه العلاقات المتجددة.
وحسب مصادر إعلامية دولية، فإن النظام السوري قرر بشكل نهائي إنهاء الوجود الرسمي لجبهة البوليساريو في دمشق. هذا القرار يُنظر إليه كضربة قوية للعلاقات التاريخية التي جمعت بين الجبهة ونظام عائلة الأسد منذ ثمانينات القرن الماضي، ويأتي في سياق تطور العلاقات السورية المغربية التي تشهد ديناميكية إيجابية.
العلاقات السورية المغربية: تفاهمات تربك الخصوم
وأشار تقرير “DW Arabic” أيضا إلى أن القرار السوري جاء بعد مراجعات داخلية عميقة، بالتوازي مع تطور ملموس في العلاقات السورية المغربية، وتحديداً بين دمشق والرباط، وسط سياق إقليمي يشهد تحولات في مواقف عدة دول تجاه قضية الصحراء المغربية. وأبرز التقرير أن استمرار وجود مقاتلين من البوليساريو في السجون السورية يثير تساؤلات، خصوصاً بعد رفض السلطات الإفراج عنهم رغم الضغوط الجزائرية، مما قد يعكس تغليب دمشق لمصلحة العلاقات السورية المغربية.
وتعد هذه التطورات جزءًا من دينامية أوسع تعرفها السياسة الخارجية المغربية، حيث تكثفت اللقاءات غير المعلنة بين مسؤولين مغاربة ونظرائهم السوريين خلال الأشهر الأخيرة، في أفق ترميم العلاقات السورية المغربية الثنائية وإبعادها عن محاور الاستقطاب التقليدية.
تغطية “دويتشه فيله”: هجوم من إعلام البوليساريو
ولم ترق تغطية القناة الألمانية، التي سلطت الضوء على تطور العلاقات السورية المغربية على حساب البوليساريو، للقيادة الإعلامية للجبهة. وقد سارعت إلى اتهام “دويتشه فيله” بالتحيز، واعتبرت ما نشرته “انحرافا” عن الموضوعية. وقالت منابر تابعة للجبهة إن القناة تمارس “تشويشا” إعلاميا، متناسية أن الوقائع الميدانية والسياسية، بما فيها تعزيز العلاقات السورية المغربية، بدأت تنزع الغطاء عن شرعية الجبهة.
ومن اللافت أن هذا ليس أول احتكاك بين القناة الألمانية والجبهة الانفصالية، فقد سبق للبوليساريو أن أعربت عن غضبها في أكتوبر 2023 إثر تغطية حادث إطلاق مقذوفات في مدينة السمارة، ووصفت آنذاك أداء القناة بأنه يتماهى مع الطرح المغربي، وهو ما قد يكون مرتبطًا بالتحولات الإيجابية في العلاقات السورية المغربية.
العلاقات السورية المغربية في سياق تحول إقليمي
ويشير مراقبون إلى أن تزايد عدد الدول التي تغير مواقفها من النزاع الإقليمي حول الصحراء يعكس انكشاف رواية البوليساريو. وفي هذا الإطار، يُنظر إلى القرار السوري، الذي يصب في صالح تعزيز العلاقات السورية المغربية، على أنه تعبير عن بداية اصطفاف دمشق مع الموقف المغربي، ولو بشكل غير مباشر، وذلك في ظل مساعٍ عربية متواصلة لإعادة العلاقات مع المملكة المغربية إلى طبيعتها.
قرار دمشق بإغلاق مقر البوليساريو، كنتيجة مباشرة لتطور العلاقات السورية المغربية، وإن لم يعلن بشكل رسمي بعد، يعتبر رسالة سياسية ذات دلالة مزدوجة: من جهة يؤكد استقلالية القرار السوري عن الإملاءات الجزائرية، ومن جهة أخرى يُمهّد الطريق أمام علاقات سورية مغربية طبيعية قد تفتح آفاقًا جديدة للتعاون في المستقبل.
في ضوء هذه المستجدات، وبفضل التقارب في العلاقات السورية المغربية، تزداد عزلة البوليساريو دبلوماسيًا، بينما يواصل المغرب جني ثمار ديبلوماسيته الواقعية والبراغماتية على الساحة الإقليمية والدولية.
الحاضنة الإيديولوجية القديمة للبوليساريو
وينظر إلى الموقف السوري الجديد، الذي يعكس مرحلة متقدمة في العلاقات السورية المغربية، بحسب خبراء في الشأن الإقليمي، كإحدى علامات الانهيار التدريجي للحاضنة الإيديولوجية التي لطالما دعمت أطروحة البوليساريو. فبعد تحولات واضحة في مواقف دول كانت تعتبر حليفة للبوليساريو، يأتي التحول السوري ليضعف رمزية “المعسكر الثوري” الذي كانت الجبهة تعتبر نفسها جزءًا منه.
ورغم الطابع الرمزي لهذا الإغلاق، فإن أثره السياسي عميق في سياق العلاقات السورية المغربية، إذ يُعيد ترتيب المشهد الدبلوماسي العربي تجاه قضية الصحراء، ويُحرج الجزائر أمام حلفائها السابقين الذين باتوا أكثر انفتاحًا على مقترح الحكم الذاتي المغربي.
مكسب جديد للمغرب على جبهات متعددة
ويؤكد مراقبون أن الرباط تمكنت في السنوات الأخيرة من تحييد عدة نقاط توتر، ويأتي تطوير العلاقات السورية المغربية ليعزز هذا التوجه. سواء عبر ترسيخ شراكات اقتصادية واستراتيجية مع قوى وازنة، أو عبر تعزيز حضورها داخل المنتديات الدولية، وهو ما جعل خطاب البوليساريو يبدو خارج الزمن السياسي.
وفي هذا السياق، يُمثّل التقارب مع دمشق، وتطوير العلاقات السورية المغربية، إنجازًا آخر للدبلوماسية المغربية، ليس فقط لرمزيته التاريخية، بل أيضًا لموقع سوريا في التوازنات الإقليمية، خصوصًا بعد عودتها إلى جامعة الدول العربية وسعيها لاستعادة نفوذها السياسي عربياً، وهو ما قد يخدم المصالح المشتركة في إطار هذه العلاقات الثنائية.
مستقبل البوليساريو وخفوت الدعم التقليدي
الضغط المتزايد على البوليساريو، والذي يتجلى في خطوات مثل تعزيز العلاقات السورية المغربية وما نتج عنه من قرارات، لم يعد محصورًا في ساحة الأمم المتحدة، بل بدأ يمتد إلى مساحات كانت الجبهة تعتبرها آمنة. ومع هذا الانكماش الجيوسياسي، تجد القيادة الانفصالية نفسها أمام تحديات حقيقية في الحفاظ على حلفائها، وفي تقديم أطروحتها كخيار قابل للبقاء.
فبينما يواصل المغرب كسب الدعم، بما في ذلك من خلال بناء علاقات سورية مغربية قوية، لصالح مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يبدو أن البوليساريو تفقد أوراقها الواحدة تلو الأخرى، وتغرق أكثر في خطاب الانفعال والاتهامات، كما يظهر من هجومها الأخير على الإعلام الدولي الذي يسلط الضوء على هذه التحولات.