كابرانات الجزائر

تصعيد القمع في الجزائر: منظمة العفو الدولية تحتج

في تقرير حديث أثار اهتماما حقوقيا وإعلاميا واسعا حول تصعيد القمع في الجزائر. وجهت منظمة العفو الدولية انتقادات شديدة اللهجة للسلطات الجزائرية، متهمة إياها بانتهاج سياسة ممنهجة تقوم على تصعيد القمع والتضييق على الحريات العامة. عبر اعتقالات وصفتها بـ”التعسفية”، وملاحقات قانونية اعتبرتها “جائرة”، استهدفت ناشطين وصحافيين بشكل خاص.

تصعيد القمع في الجزائر وحملة “مانيش راضي”

هذه الاتهامات الخطيرة تأتي في وقت تتزايد فيه التحذيرات من تدهور الوضع الحقوقي في البلاد، وسط مؤشرات على عودة النهج الأمني لقمع أي صوت معارض، لاسيما مع اقتراب الذكرى السادسة لانطلاق الحراك الشعبي في فبراير 2019، الذي شكل محطة مفصلية في تاريخ الجزائر السياسي المعاصر.

وتتركز الانتقادات الدولية الأخيرة حول رد فعل الدولة الجزائرية تجاه حملة “مانيش راضي” التي انطلقت في ديسمبر 2024 على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الحملة، التي تعني “لست راضيا” باللهجة العامية الجزائرية، جاءت كرد فعل شعبي ضد تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتنامي الشعور بانسداد الأفق السياسي.

لكن بدلا من التعامل مع الحملة كمؤشر على وجود قلق اجتماعي مشروع، قررت السلطات الرد بحملة اعتقالات وملاحقات طالت ما لا يقل عن 23 ناشطًا وصحفيًا خلال الأشهر الخمسة الماضية، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية.

الاعتقالات التعسفية وراء تصعيد القمع في الجزائر

من أبرز النماذج التي تطرق إليها التقرير، إدانة الناشطين صهيب دباغي ومهدي بعزيزي بالسجن 18 شهرا، بسبب مشاركتهما الفاعلة في حملة “مانيش راضي”. وقد وجهت لهما تهم خطيرة، من بينها “نشر معلومات من شأنها الإضرار بالأمن القومي أو النظام العام”،. وهي اتهامات تعتبرها المنظمة فضفاضة وتفتقر إلى الأسس القانونية الواضحة.

وفي هذا السياق، أشارت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إلى أن “نهج قمع النشاط على الإنترنت الذي تتبعه السلطات الجزائرية يُنذر بالخطر ويجب تغييره فورا”. وشددت على أن “لا شيء يمكن أن يبرر احتجاز الأشخاص وسجنهم لمجرد إعرابهم عن آرائهم أو انتقادهم للواقع السياسي والاقتصادي”.

انتهاك حق الدفاع والمحاكمة العادلة

ولم تقتصر الانتهاكات على الاعتقال، بل شملت أيضا حرمان المعتقلين من الحق في محاكمة عادلة. وبحسب المنظمة، فإن العديد من المتابعين قضائيا لم يمنحوا الوقت الكافي للدفاع عن أنفسهم أو اللجوء إلى محامين، في محاكمات اتسمت بالتسرع والشكلية، ما يثير تساؤلات جدية حول استقلالية السلطة القضائية في الجزائر.

من الحراك إلى الإغلاق التام للمجال العام

تصاعد القمع في الجزائر لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تحولا تدريجيا نحو الانغلاق السياسي منذ تفكك الحراك الشعبي، حيث تراجعت المساحات الممنوحة لحرية التعبير، وتم تجريم المواقف السياسية المعارضة، خصوصًا على الإنترنت.

هذا التحول يتعارض بشكل صارخ مع التزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان، ويزيد من عزلتها على الصعيد الدولي، في وقت تشهد فيه البلاد توترات اقتصادية خانقة واحتقانًا اجتماعيًا متصاعدا.

وفي ختام تقريرها، دعت منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم، وإلى وقف استخدام القضاء كأداة لترهيب المعارضين والنشطاء. وشددت المنظمة على ضرورة فتح تحقيقات مستقلة في كل حالات الانتهاك، وضمان احترام مبادئ العدالة وحقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور الجزائري والمواثيق الدولية.

الجزائر على مفترق طرق حقوقي خطير

إن استمرار تصعيد القمع في الجزائر، كما وصفته العفو الدولية، يضع النظام السياسي في مواجهة مباشرة مع المجتمع المدني المحلي والدولي. فبينما يسعى النظام إلى فرض الاستقرار بالقوة، يتنامى الإحساس الشعبي بغياب الأمل وغياب صوت المواطن داخل مؤسسات الدولة.

ويبقى السؤال مطروحا بإلحاح: هل ستستمر السلطة في مسار القمع والملاحقة، أم ستفتح نافذة للانفراج السياسي واستعادة الثقة المفقودة؟

الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن حرية التعبير ليست جريمة، وأن أصوات المواطنين، مهما خنقت، ستبقى تبحث عن فضاء تسمع فيه بكرامة وحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى