كابرانات الجزائر

علي بلحاج يجلد نظام الجزائر

في لحظة سياسية حرجة تمر بها الجزائر، خرج المعارض الإسلامي المعروف علي بلحاج عن صمته ليطلق تصريحات نارية ضد النظام الجزائري، كاشفا من خلالها عمق الأزمة التي تخنق البلاد. فبينما تتحدث الحكومة عن “مشروع قانون التعبئة العامة” كإجراء ضروري، يرى بلحاج أن الأمر لا يعدو أن يكون غطاء قانونيا للتضييق على الحريات وشرعنة حالة من الطوارئ المقنعة.

في حوار استثنائي أجرته معه قناة “المغاربية”، بدا علي بلحاج أكثر جرأة من أي وقت مضى. تحدث بصوت عال عن القلق الشعبي المتزايد، وطرح أسئلة مؤرقة لم تجد بعد أجوبة مقنعة من الدولة. لماذا التعبئة الآن؟ من يهدد الجزائر في هذه اللحظة؟ وما الذي تخفيه السلطة خلف هذا القانون المبهم؟

علي بلحاج: الشعب يريد تهدئة لا عسكرة

افتتح علي بلحاج حديثه بتشخيص دقيق للمزاج العام في البلاد، قائلا إن الجزائريين كانوا يأملون بخطاب سياسي جديد يبعث على التهدئة، لا بمشروع قانون يذكرهم بزمن الطوارئ والخوف. “التعبئة حول ماذا؟ ومن أجل من؟”، يتساءل بلحاج، ثم يضيف: “كنا ننتظر من النظام خطوات حقيقية نحو المصالحة الوطنية، لا خطوات إضافية نحو السيطرة الأمنية على الفضاء العام”.

واعتبر بلحاج أن عدم وضوح الدستور بشأن مفهوم التعبئة العامة يفتح الباب أمام تفسيرات فضفاضة قد تستخدم لتقييد الحريات. “حين تصبح القوانين وسيلة لبث الرعب بدل طمأنة الناس، فاعلم أن الأمور ليست بخير”، يقول المعارض الذي لم يكف يوما عن مناهضة الحكم العسكري.

غياب الشفافية يزيد من تعقيد المشهد

من وجهة نظر علي بلحاج، فإن واحدة من أخطر جوانب الوضع الحالي هي التعتيم الإعلامي والتضليل المنهجي الذي تمارسه بعض المؤسسات الرسمية. “وزير الإعلام ومدير المخابرات يخرجون للحديث عن الشائعات، بينما هم أول من يزرع الضباب”، يقول بنبرة ساخرة. بلحاج شدد على ضرورة فتح المجال للمعلومة الدقيقة والصادقة، محذرا من أن الكذب الرسمي قد يتحول إلى أداة فتاكة لتفجير الغضب الشعبي.

وفي قراءته لأبعاد مشروع التعبئة العامة، لم يغفل علي بلحاج الجانب الاقتصادي، بل اعتبره الأكثر تأثرا على المدى القريب. “رأس المال جبان”، يقول بلحاج، “والمستثمرون يهربون من البيئات المتوترة، لأن لا أحد يضع أمواله في بلد على حافة الطوارئ”.

وأضاف أن الاقتصاد الجزائري يحتاج اليوم إلى استقرار سياسي وتطمين للمستثمرين، لا إلى رسائل عسكرية تنذر بمواجهات داخلية. وتابع: “إذا كانت الدولة تقول إنها تعيش حالة تعبئة، فبماذا سيشعر المستثمر؟ بالأمان أم بالخطر؟”.

كباش العيد… مرآة الأزمة الاجتماعية

في مشهد لم يكن ليصدق قبل سنوات، تحولت أسعار الأضاحي في الجزائر إلى موضوع سياسي بامتياز. علي بلحاج علق على هذه الظاهرة قائلا: “حين يتحول الخروف إلى أزمة وطنية، فاعلم أن هناك خللا في الأولويات”. هذا المشهد، بحسب بلحاج، يعكس حالة الفوضى الاقتصادية التي يعيشها المواطن، حيث يتصارع على لقمة العيش في بلد غني بالثروات ولكنه فقير في التسيير.

وتابع قائلا إن انعدام الثقة في مؤسسات الدولة بلغ ذروته، والمواطن الجزائري بات ينظر إلى كل قرار رسمي بعين الشك والارتياب.

وفي جانب آخر من حديثه، أشار علي بلحاج إلى أن التعامل الأمني المتشدد مع النشطاء والمعارضين يخلق حالة من الرعب وسط المواطنين. “ما يحدث اليوم يجعل الناس يتساءلون بجدية: من نحن في مواجهة؟”، يقول بلحاج، مضيفا أن الشعور بالمراقبة والتهديد بات يلاحق حتى من يعبّر عن رأيه في جلسة عائلية.

وحذر من أن استمرار هذه السياسات الأمنية قد يؤدي إلى شرخ كبير بين المجتمع والدولة، داعيا إلى ضرورة إعادة بناء الثقة من خلال خطوات سياسية شجاعة.

لا مخرج من الأزمة دون حوار وطني شامل

بالنسبة لـعلي بلحاج، فإن الخروج من الأزمة لا يكون بالقوانين الزجرية ولا بالملاحقات، بل بالحوار الحقيقي الذي يجمع كل الأطياف السياسية والمجتمعية. “يجب أن نفتح الأبواب وننهي سياسة الإقصاء”، قال بلحاج بنبرة حازمة.

ودعا إلى إنشاء آلية وطنية مستقلة تضمن مشاركة الجميع في صياغة المستقبل السياسي للجزائر، بعيداً عن الوصاية والتهديد.

ولم ينس علي بلحاج أن يسلط الضوء على دور الإعلام في الأزمة الحالية، حيث اعتبر أن الإعلام الرسمي فقد مصداقيته منذ سنوات، وأنه يتحول شيئا فشيئا إلى أداة لبث البروباغندا الحكومية. “إذا استمر الإعلام في تلميع الصورة وتعتيم الحقيقة، فإن الوضع سيزداد تعقيدا”، يقول بلحاج.

وطالب بضرورة تحرير الإعلام ورفع الرقابة عن الصحفيين، لأن الإعلام الحقيقي، كما يراه، يجب أن يكون صوتا للناس لا صدى للسلطة.

دعوة للعمل الجماعي من أجل الجزائر

في ختام حديثه، وجه علي بلحاج نداء إلى كل الجزائريين، داعياً إياهم إلى تجاوز الخلافات والعمل معا من أجل إنقاذ البلاد من المصير المجهول. “يجب أن نعيد بناء وطن يحترم مواطنيه، لا أن نواصل الدوران في حلقة من الخوف والفساد”.

وختم قائلا: “الجزائر لا تستحق هذا المصير، بل تستحق مستقبلاً يليق بأبنائها، حيث تحترم الحريات وتُصان الكرامة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى