مخيمات تندوف: مواجهات مسلحة وفوضى أمنية

تشهد مخيمات تندوف أوضاعا أمنية مأساوية تتفاقم يوما بعد يوم، وسط حصار خانق تفرضه السلطات الجزائرية من جهة. وانفلات خطير تقوده عصابات تهريب المخدرات من جهة أخرى. في ظل غياب تام لأجهزة ما يسمى بشرطة ودرك البوليساريو.
تصعيد أمني خطير وسط تجاهل البوليساريو والجيش الجزائري
آخر هذه الكوارث الأمنية وقع مساء أمس السبت، حيث تحول ما يسمى مخيم العيون إلى ساحة حرب مفتوحة بين عصابتين متنازعتين. تبادلتا إطلاق النار بشكل مكثف وسط مساكن المدنيين، مما أدخل حالة من الرعب والهلع غير المسبوقين إلى قلوب السكان.
وفقا لتقارير منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف (FORSATIN)، فقد اندلعت الاشتباكات بين مجموعتين من مهربي المخدرات استخدمتا أسلحة نارية بشكل علني. واستمرت المعركة الدامية لعدة ساعات دون تدخل من قادة البوليساريو أو حتى الجيش الجزائري، رغم تواجد وحداته على مقربة لا تتجاوز بضعة أمتار من المخيم. واضطر مئات الأسر إلى الاختباء داخل مساكنهم الهشة، وإغلاق أبواب “البراريك” عليهم خوفا من الرصاص الطائش، في حين تركت ساحة المواجهة خالية للعصابات المسلحة تتحرك بحرية وتفرض قانونها بالقوة.
احتجاجات غاضبة ضد القمع العسكري
وفي مشهد صادم يعكس حالة الفوضى التي تعم مخيمات تندوف، ظل عناصر الجيش الجزائري يراقبون الوضع من بعيد دون أي محاولة للتدخل لحماية المدنيين. مكتفين بتشديد الحصار على المخيم ومنع الخروج والدخول. أما البوليساريو، فلم تتحرك إلا بعد مغادرة العصابات المسلحة، لتقوم بعملية شكلية لا هدف لها سوى حفظ ماء الوجه أمام تصاعد الغضب الشعبي.
ووفقا لشهادات من داخل المخيم، فإن السكان أطلقوا نداءات استغاثة عبر وسائل التواصل المحلية وبين العائلات، في محاولة لإنقاذ من كانوا عالقين قرب منطقة الاشتباكات. ومع تزايد الأخبار عن حجم الخطر، بدأ العشرات في التجمهر استعداداً للتدخل وإنقاذ المحاصرين، غير أن المخاوف من اندلاع مواجهات أعنف حالت دون ذلك، خصوصاً مع انتشار السلاح بشكل كثيف داخل مخيمات تندوف.
وقبل يوم واحد فقط من الأحداث الدامية، شهد مخيم العيون مظاهرة غاضبة شارك فيها مئات الصحراويين، احتجاجا على الحصار الممنهج الذي يفرضه الجيش الجزائري. أجبر المتظاهرون على الانتظار لساعات طويلة تحت شمس حارقة في طوابير الذل للحصول على تصاريح الخروج. مما فجر غضبهم ودفعهم إلى تنظيم اعتصام سلمي أمام إحدى نقاط التفتيش العسكرية.
رد الجيش الجزائري كان عنيفا ومهينا، حيث أطلق الجنود النار في الهواء لترويع المحتجين وتفريقهم بالقوة. ولم يكن هذا الحدث إلا حلقة جديدة من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي يتعرض لها سكان مخيمات تندوف. في ظل صمت وتواطؤ البوليساريو، التي يبدو أن دورها ينحصر فقط في قمع أي صوت معارض أو احتجاج ضد النظام القائم.
قيادات البوليساريو بين التواطؤ والخوف
وتزايدت مؤخرا الاتهامات الموجهة لقيادات البوليساريو بالتواطؤ مع شبكات تهريب المخدرات والأسلحة داخل مخيمات تندوف. وتؤكد مصادر محلية أن عناصر نافذة داخل الجبهة تستفيد من أنشطة العصابات لتحقيق مصالح شخصية وسياسية، بل وتوظف المجرمين والمنحرفين لضمان استمرار السيطرة على السكان ومنعهم من المطالبة بحقوقهم أو انتقاد الوضع الراهن.
الغضب الشعبي لم يتأخر في الظهور، حيث نظم شيوخ وأعيان المخيمات اجتماعات طارئة، أدانوا فيها بشدة سكوت البوليساريو وتغاضيها المتعمد عن الفوضى الأمنية. واتهمت هذه الشخصيات الجبهة بمحاولة زرع الخوف والاضطراب داخل المجتمع الصحراوي، بدعم صريح من السلطات الجزائرية، وذلك لإبقاء المطالب الشعبية في حدود ضيقة لا تتجاوز المطالبة بتوفير الأمن والمواد الأساسية.
جرائم متكررة تعمق جراح الصحراويين
الأحداث الأخيرة ليست سوى امتداد لسلسلة طويلة من الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق سكان مخيمات تندوف. فقد شهدت المخيمات خلال الأشهر الماضية موجات من الغضب الشعبي، كان أبرزها المظاهرات التي اندلعت عقب مقتل شابين صحراويين على يد جنود جزائريين دون مبرر، مما أدى إلى اشتباكات مباشرة بين المدنيين العزل وقوات الجيش.
وإلى جانب العنف العسكري، تعاني مخيمات تندوف من انهيار اقتصادي واجتماعي خطير، مع تفشي البطالة والجريمة، وتزايد حالات الاختفاء القسري والتعذيب في السجون السرية التابعة للبوليساريو. كما تحولت المخيمات إلى ملاذ آمن لعصابات الجريمة المنظمة التي تمارس أنشطتها تحت غطاء سياسي وأمني يوفره كل من البوليساريو والنظام الجزائري.
إلى أين تتجه مخيمات تندوف؟
في ظل هذا الواقع المأساوي، تبدو آفاق الخلاص بعيدة المنال لسكان مخيمات تندوف. فالجبهة التي تدعي تمثيلهم أصبحت عائقا أمام تحقيق تطلعاتهم، بينما يستمر النظام الجزائري في استغلال معاناتهم كورقة ضغط سياسية. وما يزيد الطين بلة أن الفوضى الأمنية التي تعصف بالمخيمات باتت تهدد حياة الصحراويين بشكل مباشر، حيث لا مكان للأمان ولا سبيل للخلاص إلا بالهروب من هذا الجحيم المستمر.
وسط هذه العتمة، يبرز سؤال مصيري بات يؤرق الجميع: متى تنتهي معاناة سكان مخيمات تندوف؟ وأين المفر من قمع البوليساريو واستبداد الجيش الجزائري؟