أخبار الصحراء

البوليساريو تستهدف المينورسو : تصعيد ينذر بالخطر

في خطوة مثيرة للقلق ومشحونة بالرسائل السياسية، البوليساريو تستهدف المينورسو مجددا، وهذه المرة بشكل مباشر وميداني.

صباح الإثنين، منعت عناصر مسلحة تابعة للجبهة الانفصالية قافلة شاحنات تابعة لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) من المرور نحو منطقة أغوينيت، على مستوى محور آوسرد شرق الجدار الأمني المغربي. الشاحنات كانت في مهمة لوجستية عادية، تنقل معدات ضرورية لدعم فرق البعثة الأممية، لكن عناصر الجبهة الانفصالية أوقفتها بشكل تعسفي ومنعتها من مواصلة طريقها، دون أي تفسير رسمي يوضح ملابسات هذا التصرف الذي يعتبر سابقة من نوعه.

استفزاز متعمد أم محاولة للفت الانتباه؟

ما حدث لا يمكن قراءته خارج السياق المتوتر الذي تعيشه الجبهة منذ أسابيع، خاصة بعد أن قدم ألكسندر إيفانكو، رئيس بعثة المينورسو، إحاطته أمام مجلس الأمن، والتي لم ترض قادة البوليساريو على ما يبدو. الرجل تحدث صراحة عن عراقيل تعيق عمل البعثة، من بينها المنع، والتضييق، ورفض عقد الاجتماعات، في مقابل إشادته بتعاون القوات المغربية التي تسهل حركة الطواقم الأممية.

وفي هذا الإطار، يبدو أن الرسالة وصلت إلى تندوف، فردت الجبهة بأسلوبها المعتاد: تصعيد ميداني، وفرض أمر واقع على الأرض. هكذا، تجدد البوليساريو تحديها للمجتمع الدولي، لكن هذه المرة بصدام مباشر مع الأمم المتحدة. البوليساريو تستهدف المينورسو ليس فقط بالمنع، بل بالتهديد العلني.

الرصاص في منطقة عازلة

ولم تكد تمر ساعات على منع القافلة، حتى تم الكشف عن معطى أكثر خطورة: إطلاق نار حي استهدف دورية تابعة للمينورسو في منطقة أغوينيت القريبة من الحدود الموريتانية. ورغم أن الحادث لم يسفر عن إصابات، إلا أن دلالاته عميقة. لأول مرة منذ وقف إطلاق النار في 1991، توجه البنادق صوب القبعات الزرق.

البوليساريو تستهدف المينورسو بالذخيرة الحية، في سلوك غير مسبوق يعيد إلى الأذهان لغة السلاح التي ظن العالم أن الزمن تجاوزها. وإذا كان الهدف من هذا التصعيد هو لفت الأنظار إلى “قضية منسية”، فالثمن هذه المرة سيكون باهظا، لأنه يتعدى المغرب إلى الأمم المتحدة نفسها.

ردود الفعل لم تتأخر. السيناتور الأيرلندي جيرارد كروغويل، لم يخف غضبه مما جرى. في تغريدة على منصة “إكس”، قال بوضوح: “عندما تكون هناك أدلة واضحة على الإرهاب من قبل جماعات مثل حزب الله، حماس، والبوليساريو، يجب تصنيفها كمنظمات محظورة، وملاحقة عناصرها أينما وجدوا”.

التغريدة جاءت تفاعلا مع ما كشفه الباحث المغربي نابل حرباز، الذي أكد في منشور موثق استهداف دورية أممية بإطلاق نار مباشر من قبل عناصر البوليساريو. المشهد، وإن لم يسفر عن إصابات، إلا أنه دق ناقوس الخطر داخل الأوساط الدولية.

البوليساريو تستهدف المينورسو، والمجتمع الدولي مطالب اليوم بعدم غض الطرف. ليس لأن الحادث الأول من نوعه، بل لأنه قد لا يكون الأخير إن لم يتم التحرك بسرعة.

تراجع الشرعية الدبلوماسية للجبهة الانفصالية

هذا التصعيد الميداني يأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة للبوليساريو، التي تعاني من تراجع كبير في الدعم الدولي. موجة الاعترافات السابقة بها بدأت تتلاشى، في مقابل اتساع رقعة الدول التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الواقعي الوحيد للنزاع.

حتى داخل الاتحاد الأوروبي، تتزايد الأصوات التي ترى أن دعم البوليساريو لم يعد مقبولا، خاصة في ظل علاقاتها الغامضة مع جماعات مسلحة وتنظيمات مشبوهة في منطقة الساحل والصحراء.

كل هذا يجعل من تحركات الجبهة الحالية محاولة يائسة لإثبات الوجود. لكنها تفعل ذلك عبر خيارات خطيرة، تنسف ما تبقى من صورتها “السياسية”، وتحولها أكثر فأكثر إلى ميليشيا مسلحة خارجة عن القانون. البوليساريو تستهدف المينورسو لأن الأخيرة لم تعد تسوق خطاب الضحية الذي تحاول الجبهة تسويقه منذ عقود.

رسائل ميدانية… ورد أممي مطلوب

الحدث يحرج الأمم المتحدة قبل أي طرف آخر. فبعثتها أصبحت مستهدفة بشكل مباشر، ما يطرح سؤالا حول مدى قدرتها على الاستمرار في أداء مهامها في مثل هذه الظروف. ماذا لو سقط جندي أممي؟ هل ستكتفي المنظمة ببيان تنديد؟

الميدان يبعث برسائل أقوى من البيانات، والجبهة باتت تضغط بالبندقية بعدما فشلت الدبلوماسية. البوليساريو تستهدف المينورسو لأنها تعلم أن البعثة أصبحت شاهدة على زيف ادعاءاتها، وشريكًا في كشف خروقاتها.

الوقت لا يسمح بالمجاملات

في ظل هذه التطورات، يبدو أن الصمت لم يعد خيارا. المجتمع الدولي مدعو اليوم إلى إعادة النظر في تعاطيه مع  البوليساريو. التصعيد الأخير ليس مجرد خرق لبنود وقف إطلاق النار، بل تهديد صريح لبعثة أممية محايدة.

إن كانت الأمم المتحدة جادة في حماية السلام والاستقرار في المنطقة، فعليها أن تتحرك الآن، ليس فقط لحماية المينورسو، بل لحماية المسار السياسي ككل. فحين تستهدف البوليساريو المينورسو، فإنها تُطلق النار على فرص الحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى