البوليساريو… انشقاقات وهروب نحو المغرب

تشهد مخيمات تندوف حالة غير مسبوقة من الارتباك والتوتر بعد تنفيذ ثلاثة عناصر من ميليشيات البوليساريو عملية فرار نوعية نحو المغرب. في خطوة تبرز حجم السخط الداخلي وسط المجندين، وتعكس هشاشة التنظيم المسلح الذي فقد الكثير من نفوذه على الأرض.
الهروب الأخير ليس مجرد حادثة معزولة، بل يأتي في سياق سلسلة انشقاقات متزايدة في صفوف الميليشيات، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مشروع الانفصال الذي تدعمه الجزائر بات يعيش على وقع الزيف والتضليل الإعلامي، دون امتداد حقيقي داخل المخيمات أو حتى بين المقاتلين الذين كان يفترض أن يكونوا العمود الفقري لهذا الكيان المصطنع.
تفاصيل العملية: هروب تحت جنح الظلام نحو المنطقة العازلة
وفق مصادر مطلعة، خطط العناصر الثلاثة لهذه العملية منذ أشهر، حيث كانوا يبحثون عن الفرصة المواتية لتنفيذها بنجاح. في ساعة متأخرة من الليل، ارتدى الهاربون الزي العسكري الرسمي لميليشيات البوليساريو، وسلكوا طريقا صحراويا وعرا، متجنبين نقاط التفتيش التي تفرضها ميليشيات الجبهة على أطراف المخيمات.
المسافة بين تندوف والمنطقة العازلة ليست بالقصيرة، وتتميز بتضاريس قاسية، لكن رغبة الفارين في التخلص من حياة الاحتجاز كانت كفيلة بجعلهم يخاطرون بحياتهم لعبور هذه المسافة الطويلة. وبعد ساعات من المشي الحذر، وصلوا إلى منطقة “أم أدريگة” الواقعة قرب الجدار الأمني المغربي، حيث أطلقوا إشارة السلام البيضاء، في دلالة على استسلامهم للقوات المغربية، وطلبهم الحماية.
حالة تذمر متزايدة وسط مجندي البوليساريو
عملية الفرار هذه لم تكن مفاجئة للمطلعين على أوضاع مخيمات تندوف، حيث تسود حالة غضب وسخط واسعة بين أفراد الميليشيات، خاصة الشباب الذين يجدون أنفسهم محتجزين في بيئة قاسية، دون مستقبل واضح.
الهاربون أكدوا أن عشرات المجندين الآخرين يخططون لتنفيذ عمليات فرار مماثلة، وأنهم يتواصلون سرا لتنظيم هروب جماعي بمجرد توفر الظروف المناسبة. هذه المعلومات تتوافق مع شهادات سابقة عن موجة الانشقاقات التي تعصف بالبنية العسكرية للجبهة، مما يثبت أن البوليساريو تعيش أضعف مراحلها منذ إنشائها.
“حرب البوليساريو” مجرد دعاية إعلامية
منذ سنوات، تصر جبهة البوليساريو على ترويج أخبار عن ما تسميه “حرب التحرير”، وتصدر بيانات يومية تتحدث عن عمليات عسكرية وهمية ضد القوات المغربية. غير أن الواقع على الأرض يثبت عكس ذلك تماما.
الفرار المتكرر للعناصر المسلحة، خاصة في ظل هذه “الحرب”، يكشف حقيقة أن معظم مقاتلي البوليساريو لم يعودوا مقتنعين بهذا الصراع، وأنهم يخوضونه تحت الإكراه، بسبب التهديدات التي تمارسها قيادات الجبهة على كل من يرفض حمل السلاح.
علاوة على ذلك، فإن بلاغات البوليساريو لم تعد تلقى أي صدى حتى لدى المتابعين الدوليين، نظرا لأنها تفتقر إلى أي دليل ميداني، كما أن المغرب مستمر في تعزيز موقفه على الأرض، عبر مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية، ما يجعل الانفصال خيارا غير واقعي حتى بالنسبة للمحتجزين في المخيمات.
الوضع الإنساني المتردي في مخيمات تندوف
ولا يمكن فصل هذه الانشقاقات عن الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه سكان مخيمات تندوف، حيث تفرض جبهة البوليساريو رقابة مشددة،. وتمنع التنقل بحرية، بينما تعاني الأسر من نقص حاد في المواد الأساسية.
التقارير الدولية تحدثت مرارا عن حالات سوء التغذية، وانعدام الرعاية الطبية، وارتفاع البطالة داخل المخيمات، حيث يعتمد السكان بالكامل على المساعدات الإنسانية التي يتم التلاعب بها وتهريبها إلى الأسواق السوداء من قبل قادة الجبهة.
في ظل هذه الظروف، يصبح من الطبيعي أن يبحث الشباب عن مخرج. وهو ما يفسر تزايد عمليات الهروب والانشقاق، سواء نحو المغرب أو حتى باتجاه دول أخرى، هربًا من واقع مرير يفرضه تحالف البوليساريو مع النظام الجزائري.
رسالة قوية إلى المجتمع الدولي
هروب عناصر البوليساريو هذه المرة لا يمكن أن يمر دون أن يترك أثرا سياسيا مهما. إنها رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن المخيمات تعيش حالة تمرد داخلي صامت، وأن الحديث عن “إجماع الصحراويين” خلف الجبهة ليس إلا أكذوبة تروجها الآلة الدعائية الجزائرية.
كما أن هذه التطورات تدعو المنظمات الحقوقية إلى إعادة النظر في الأوضاع المزرية داخل المخيمات. والضغط على الجزائر للسماح بإجراء إحصاء رسمي لسكانها، وهو الأمر الذي ترفضه الجزائر منذ سنوات، خوفا من انكشاف الأرقام الحقيقية لعدد الصحراويين المحتجزين، والذين لا يتجاوزون نسبة صغيرة مقارنة بالمغاربة الصحراويين المستقرين في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
المغرب: وجهة العائدين والباحثين عن الاستقرار
لا يمكن إنكار أن المغرب بات الملاذ الآمن لكل من قرر طي صفحة الماضي والعودة إلى بلاده. خلال السنوات الأخيرة، استقبلت المملكة المئات من العائدين من المخيمات، سواء مدنيين أو مقاتلين سابقين، حيث وفرت لهم برامج إعادة الإدماج، وفرص العمل، وسمحت لهم باستعادة حياة طبيعية بعيدًا عن صراعات الجبهة.
وكلما زاد عدد المنشقين، كلما تأكد للعالم أن جبهة البوليساريو ليست سوى كيان هش، يعيش على الدعم الجزائري، بينما تتلاشى قاعدته الشعبية تدريجيا، مع إدراك المزيد من الصحراويين أن المستقبل الحقيقي يكمن في الالتحاق بالمغرب والمشاركة في نهضته التنموية.
نهاية مشروع الانفصال
في المحصلة، لا يمكن اعتبار هذه الانشقاقات مجرد حدث عابر، بل هي مؤشر قوي على اقتراب نهاية مشروع البوليساريو. الشباب الذين تم تضليلهم لسنوات، بدأوا الآن في إدراك الحقيقة، والخيار الوحيد المتبقي أمامهم هو العودة إلى وطنهم، المغرب، والمساهمة في بنائه، بدل البقاء أسرى للأكاذيب والأوهام.
مع تزايد عدد الهاربين، وتراجع سيطرة البوليساريو على مقاتليها، لم يعد السؤال هو: هل ستنهار الجبهة؟ بل متى ستنهار؟
وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، والمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها.