كابرانات الجزائر

حكومة القبائل في مجلس الشيوخ الفرنسي

في مشهد سياسي غير مألوف داخل المؤسسات الفرنسية، استقبل مجلس الشيوخ الفرنسي في 28 ماي 2025 وفدا رسميا من حكومة القبائل في المنفى، أو ما يعرف بـ”الأنافاد”، في لقاء أثار اهتمام الأوساط الإعلامية والسياسية. هذا التحرك جاء ضمن استراتيجية واضحة تعتمدها الحركة السيادية القبائلية لتدويل قضيتها والسعي نحو انتزاع اعتراف دولي بحقها في تقرير المصير، خصوصًا في ظل تصاعد ما تصفه بالقمع الممنهج داخل الجزائر.

حكومة القبائل ولقاء غير عادي في قلب باريس

اللقاء الذي جمع الوفد بالسيناتور الفرنسي البارز ستيفان رافييه داخل قصر لوكسمبورغ، مقر مجلس الشيوخ، لم يكن مجرد زيارة بروتوكولية. فقد ضم الوفد شخصيات محورية في حكومة القبائل، من بينهم رئيس الحكومة فرحات مهني، ورئيس الوزراء حنافي فرحوح، إضافة إلى ممثلين عن الجالية القبائلية في فرنسا، كالمتحدث الرسمي مولود عز الدين، والمسؤول المالي شريف راكن.

الوفد عرض أمام السيناتور الفرنسي رؤية حكومة القبائل للأوضاع المتدهورة داخل الجزائر، مؤكداً أن النظام الجزائري لا يعترف بهوية القبائل، وأنه يمارس سياسة إقصاء ممنهجة منذ ضم الإقليم بالقوة عام 1857. كما تم التطرق إلى حالات الاعتقال السياسي، حيث أشار مهني إلى وجود “مئات المعتقلين القبائليين في السجون الجزائرية بسبب آرائهم وانتمائهم السياسي”.

فرنسا والقبائل: تاريخ معقد ومفتوح على التأويل

خلال النقاش، دعا الوفد القبائلي إلى مراجعة العلاقات التاريخية بين فرنسا والقبائل، مشيرين إلى أن الجالية القبائلية المقيمة في فرنسا تعاني من محاولات التضييق ومراقبة من قبل الأجهزة الجزائرية. كما شدد الوفد على أن القبائل لا تخضع لسيطرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وأنها تسعى لتأكيد استقلالية قرارها السياسي.

السيناتور رافييه أبدى اهتمامًا كبيرًا بما طرحه ممثلو الحكومة القبائلية، وسأل بتفصيل عن خلفية النزاع السياسي والتاريخي بين القبائل والنظام الجزائري، وعن واقع الجالية القبائلية في فرنسا. وفي ختام اللقاء، عبر عن دعمه لمبدأ تقرير المصير، مشيدًا بما وصفه بـ”النضال السلمي والديمقراطي لحكومة القبائل”.

تحرك مواز نحو واشنطن

بالتوازي مع الجهود في فرنسا، توجهت حكومة القبائل برسالة رسمية إلى السيناتور الأمريكي ماركو روبيو، تطلب فيها دعمًا سياسيًا وموقفًا أكثر حسمًا تجاه ما يجري في الجزائر. وذكّرت الرسالة، التي وقعتها المستشارة الأمريكية للحركة إليزابيث مايرز، بأن النظام الجزائري يستغل قوانين مثل المادة 87 مكرر لسجن المعارضين وتكميم الحريات الأساسية.

وقد استندت الحكومة القبائلية في هذه الرسالة إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، تؤكد وجود انتهاكات ممنهجة داخل الجزائر. كما أبرزت أن ميزانية الجيش الجزائري التي ارتفعت إلى 25 مليار دولار عام 2025، تثير مخاوف من انزلاق المنطقة نحو المزيد من التوتر، خصوصًا في ظل رفض الجزائر الحوار مع المعارضة الداخلية.

الدعم الأمريكي: بين المبادئ والواقع الجيوسياسي

التحرك نحو واشنطن يعكس محاولة القبائل الاستفادة من المبادئ الديمقراطية الأمريكية، لا سيما حق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد أكدت إليزابيث مايرز أن إدارة بايدن، رغم ضغوط الجزائر، لم تصنّف “الماك” كمنظمة إرهابية، ما يُعد مكسبًا سياسيًا مهمًا للحركة.

في هذا السياق، نقلت تقارير إعلامية أن حكومة القبائل تنوي تنظيم لقاءات جديدة مع مسؤولين أمريكيين خلال الأسابيع القادمة، وتسعى إلى وضع قضيتها في صلب النقاشات حول الحريات وحقوق الإنسان في شمال إفريقيا.

تقرير الخارجية الأمريكية: ضوء أخضر غير مباشر؟

ولعل أهم تطور يدعم موقف حكومة القبائل هو التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول مكافحة الإرهاب، والذي أكد صراحة أن الولايات المتحدة لا تعتبر “الماك” ولا “رشاد” منظمات إرهابية. وأوضح التقرير أن تركيز الجزائر على هاتين الحركتين يندرج في إطار الصراع السياسي الداخلي، وليس ضمن تهديد أمني فعلي.

هذا الموقف الأمريكي، رغم أنه لا يتضمن اعترافا سياسيا بالاستقلال، إلا أنه يمنح للحركة القبائلية غطاء دوليًا يجعل من الصعب على الجزائر الاستمرار في ملاحقتها خارجيًا دون تكلفة دبلوماسية.

وفي ظل هذه التطورات، يمكن القول إن حكومة القبائل في المنفى تقترب أكثر من أي وقت مضى من تدويل قضيتها وفرض نفسها كفاعل سياسي لا يمكن تجاهله. فبينما تسعى الجزائر إلى تقويض نفوذها، يبدو أن الأنافاد تراهن على الوقت والتحرك الهادئ والمنظم داخل المؤسسات الغربية.

وقد تكون الخطوة القادمة تنظيم ندوة دولية في بروكسيل أو جنيف، لجمع منظمات غير حكومية وخبراء حقوقيين لبحث مستقبل منطقة القبائل، في ظل تمسك الجزائر برؤية وحدوية لا تعترف بالتنوع القومي داخل الدولة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى