
كباش عيد الأضحى بالجزائر… الطوابير تعري الواقع الاجتماعي
مشهد آخر من مشاهد الحياة اليومية التي باتت تُثقل كاهل الجزائريين، هذه المرة جاء في موسم كباش عيد الأضحى. حيث اصطفت طوابير طويلة من المواطنين في ولاية بومرداس، شرق العاصمة، أملا في الحصول على أضحية بسعر معقول. التدافع كان كبيرا، والمشهد التقط من زوايا مختلفة وانتشر على مواقع التواصل كالنار في الهشيم، لكن الرسالة كانت واحدة: هناك أزمة أعمق بكثير من مجرد البحث عن كبش.
المواطنون الذين اصطفوا في تلك الطوابير لم يفاجؤوا بما رأوه، لأنهم اعتادوا طوابير الحليب والزيت والعدس. لكن أن تصبح كباش عيد الأضحى جزءا من قائمة المواد التي تتطلب الصبر والانتظار، فذلك أمر لم يألفه الجزائريون من قبل. الأضحية التي تُعد رمزاً دينياً واجتماعياً، أصبحت اليوم انعكاساً صارخاً للأزمة الاقتصادية التي تمس كل بيت.
كباش عيد الأضحى مرآة للأزمة
في السنوات الماضية، كان اقتناء كباش عيد الأضحى مسألة تنظيمية واقتصادية قابلة للإدارة، لكن هذا العام تغير كل شيء. الاعتماد على استيراد الكباش من رومانيا بدل دعم الإنتاج المحلي، خلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب. ومع ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، أصبحت الأضاحي بعيدة المنال بالنسبة للعديد من الأسر.
الطوابير الطويلة التي شهدتها الأسواق لم تكن فقط بسبب قلة المعروض، بل بسبب غياب استراتيجيات واضحة لضمان توفير الكباش بأسعار تتناسب مع دخل المواطن. والأخطر من ذلك، أنها باتت ترى من قِبل البعض كأداة لقياس مدى الذل الذي يمكن أن يتحمله الإنسان من أجل الشعور بفرحة العيد.
تصريح مستفز يزيد من احتقان الشارع
وفي خضم هذا المشهد المأساوي، خرج إعلامي مقرب من السلطة بتصريح وصف فيه الطوابير بأنها “دليل على ثراء الجزائريين وقوتهم الشرائية”. لم يكن هذا التصريح مجرد زلة لسان، بل مثال حي على حجم الفجوة بين الواقع الذي يعيشه المواطن والخطاب الرسمي الذي يحاول تزييفه. فالجزائري الذي يقف لساعات في الشمس من أجل الحصول على كبش ليس ثريا، بل يائس من حلول لم تأت.
تصريحات من هذا النوع لم تعد تمر مرور الكرام، بل أصبحت تقابل بسخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزيد من حالة الغضب والاحتقان الشعبي، وتُعزز القناعة بأن هناك من يعيش في برج عاجي بعيداً عن هموم المواطن اليومية.
حلول الناس… وغياب الدولة
ومع غياب دور الدولة الحقيقي في ضبط السوق أو دعم المواطن، لجأ كثيرون إلى مبادرات فردية عبر الإنترنت ومنصات التواصل. تم تبادل العناوين والأسعار والنصائح، وحاول البعض تسهيل الأمور على من لم يتمكنوا من الشراء. لكن هذه المبادرات، مهما بلغت من حسن النية، لا تستطيع تعويض غياب الرؤية الحكومية أو إنقاذ موسم كباش عيد الأضحى من الفوضى.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجزائري أن يشعر بالطمأنينة في المناسبات الدينية، يضطر إلى خوض “معركة” من نوع آخر فقط ليؤمّن أضحية العيد لأطفاله. مشهد كهذا لا يعكس فقط أزمة لوجستية، بل فشلاً في إدارة أبسط مظاهر الحياة الكريمة.
كباش عيد الأضحى تكشف حجم الفجوة بين الناس والسلطة
خلاصة المشهد أن كباش عيد الأضحى هذا العام لم تكن مجرد مناسبة دينية، بل اختبارا حقيقيا لمدى صبر المواطن الجزائري، وكشفا لحجم الهوة بينه وبين السلطة. فالطوابير، وإن كانت في ظاهرها مشهداً اقتصاديا، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل اجتماعية وسياسية، تؤكد أن هناك ما هو أعمق من ارتفاع الأسعار أو نقص العرض.
وما لم تتحرك الدولة بخطط واضحة، وتكف عن تبرير الفشل بخطابات دعائية، فإن المشهد سيتكرر، وربما في مناسبات أكثر حساسية. لأن المواطن الذي يصبر اليوم من أجل كبش، قد لا يصبر غداً من أجل أبسط مقومات الحياة.