الحكم الذاتي

الصحراء المغربية: الجزائر تعرض منجم غار جبيلات على ترامب

في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها قضية الصحراء المغربية. نقلت مصادر إعلامية متطابقة عن محاولة جزائرية مثيرة للجدل تهدف إلى التأثير على موقف الولايات المتحدة بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على أراضيه الجنوبية.

فحسب التقارير، عرضت الجزائر على إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صفقة اقتصادية غير مسبوقة، تقضي بمنح الأمريكيين حق الوصول إلى منجم الحديد “غار جبيلات”. مقابل التراجع أو التجميد المؤقت للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

الاعتراف الأمريكي يربك الجزائر

في 8 أبريل، أعادت الولايات المتحدة تأكيد موقفها الرسمي المعلن منذ 10 ديسمبر 2020، والذي نص على الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء المغربية، وهو القرار الذي اتخذته إدارة ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض. هذا الموقف شكل ضربة قوية للجزائر التي تقف منذ عقود إلى جانب جبهة البوليساريو الانفصالية. وتعتبر المسألة أحد أبرز رهاناتها الجيوسياسية في المنطقة المغاربية.

ورغم تغير الإدارة الأمريكية، فإن الجزائر لم توفر أي جهد لتعديل هذا القرار أو الضغط من أجل تجميده. وفي هذا الإطار، كثفت الدبلوماسية الجزائرية تحركاتها وعروضها، بل وصل الأمر إلى تقديم تنازلات اقتصادية واضحة بهدف استمالة واشنطن.

عرض جزائري مغر: منجم غار جبيلات في الميزان

وفقا لمعلومات مؤكدة، قدمت الجزائر عرضا مباشرا إلى أحد المقربين من الرئيس السابق دونالد ترامب، يتضمن السماح للشركات الأمريكية باستغلال منجم الحديد الضخم “غار جبيلات”. الواقع في منطقة تندوف الحدودية. المنجم يعد من بين الأكبر في العالم، حيث تصل احتياطاته إلى 3.5 مليار طن، ليحل في المرتبة الثانية عالميا بعد أستراليا التي تحتل المركز الأول باحتياطي يقدر بـ5.1 مليار طن.

وفي تصريح إعلامي، قال السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، إن “الجزائر مستعدة لمناقشة اتفاق بشأن مواردها الطبيعية والمعدنية مع الولايات المتحدة”، مضيفا: “نسعى لإبراز إمكانياتنا لدى الإدارة الجديدة. ومع الرئيس ترامب، الذي أبدى اهتماما بالاتفاقيات الاقتصادية، نأمل في إقناع الأمريكيين بمزايا التعاون مع الجزائر”.

مصدر مطلع أكد أن هذا العرض لم يكن مجرد مبادرة اقتصادية، بل كان يحمل بعدا سياسيا مباشرا، يتمثل في الأمل الجزائري بأن يقود التعاون الاقتصادي إلى تجميد الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، أو على الأقل الحفاظ على موقف ضبابي خلال فترة الرئيس الحالي جو بايدن.

الصحراء الشرقية على جدول المناورات

إلى جانب محاولات التأثير في ملف الصحراء المغربية، سعت الجزائر أيضا إلى إدخال الولايات المتحدة في نقاشات تتعلق بـ”الصحراء الشرقية”، وهي منطقة حدودية يطالب بها المغرب منذ عقود. وأوضح مصدر قريب من الملف أن “الجزائر كانت ترغب في وجود أمريكي في مدينة حدودية مع المملكة المغربية، كنوع من الضمانة الأمنية، وترسيخ للوضع القانوني الذي كانت عليه المنطقة خلال الاستعمار الفرنسي بين عامي 1934 و1962”.

المغرب، من جهته، يعتبر هذه المنطقة جزءا من أراضيه التاريخية، ويستند في ذلك إلى اتفاق 15 يونيو 1972 بين الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين، والذي نشر في الجريدة الرسمية الجزائرية عام 1973، وتمت المصادقة عليه لاحقا بظهير ملكي مغربي في 22 يونيو 1992. رغم ذلك، لم تنفذ الجزائر كامل بنود الاتفاق، ما أبقى النزاع ضمن ملفات عالقة بين البلدين.

منجم غار جبيلات: مشروع تم تعليقه وتسييسه

الاتفاق الذي وقع بين قائدي البلدين سنة 1972 تضمن أيضا اتفاقية شراكة في استغلال منجم “غار جبيلات”، حيث تم الاتفاق على تقسيم الموارد بنسبة 50٪ لكل طرف. غير أن الجزائر، وفق مصادر، تجاهلت تنفيذ المشروع رغم محاولات الملك الحسن الثاني المتكررة لإقناع بومدين بالوفاء بالتزاماته.

وفي 30 مارس 2021، أي بعد ما يقارب نصف قرن، أعلنت الجزائر عن منح امتياز استغلال المنجم لتحالف مكون من ثلاث شركات صينية. لكن مصادر مطلعة تؤكد أن الجزائر لا تجد حرجا في الاستغناء عن هذا التحالف الصيني إذا كان ذلك سيُفضي إلى شراكة مباشرة مع الولايات المتحدة، لما تمثله هذه الأخيرة من نفوذ في الملف السياسي المتعلق بالصحراء المغربية.

ويعلق المصدر بالقول: “دونالد ترامب، في نظر صناع القرار الجزائريين، أكثر تأثيرا من الصين في مسألة الصحراء المغربية، ولهذا السبب طرح العرض بشكل حصري على الأمريكيين خلال فترة حكمه”.

سابقة 2002: حين عرضت البوليساريو قاعدة أمريكية مقابل الاعتراف

العرض الجزائري الجديد يعيد إلى الأذهان ما حدث سنة 2002، حين عرض القيادي في جبهة البوليساريو، بشير مصطفى السيد، على الإدارة الأمريكية الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، مقابل إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. لكن المبادرة لم تلقَ القبول الأمريكي، وأدت لاحقا إلى تهميش القيادي الانفصالي داخل أروقة الجبهة.

 الصحراء المغربية ثابت استراتيجي لا يقبل المساومة

رغم المحاولات الجزائرية المتعددة للالتفاف على الموقف الأمريكي، تبقى الصحراء المغربية ملفا محسوما في السياسة الخارجية المغربية، ومدعوما بالاعترافات الدولية المتزايدة. وبينما تسعى الجزائر إلى توظيف أوراقها الاقتصادية لتغيير الحقائق السياسية، يواصل المغرب تعزيز سيادته على كامل ترابه الوطني من خلال التنمية، والدبلوماسية، والشراكات الاستراتيجية مع قوى كبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى