
تراجع أداء المخابرات الجزائرية يدفع النظام للتضحية ب”الجن”
في خطوة اعتبرها مراقبون تحولا لافتا في المقاربة الأمنية الجزائرية، كشفت مصادر سياسية وأمنية متطابقة في الجزائر أن السلطة استعانت مجددا بالحرس القديم، في محاولة واضحة لتدارك تراجع أداء المخابرات الجزائرية، لا سيما على مستوى الملف الخارجي المتعلق بمنطقة الساحل والصحراء، والعلاقات المتوترة مع فرنسا.
تراجع أداء المخابرات الجزائرية: عودة “حسان” وطرد “الجن”
أعلنت السلطات الجزائرية، بشكل مقتضب عبر بيان رئاسي نشر على صفحة الرئاسة الرسمية، تعيين الجنرال المتقاعد عبدالقادر آيت أوعرابي، المعروف باسم “حسان”، على رأس جهاز الأمن الداخلي، خلفا للجنرال عبدالقادر حداد، الملقب بـ”ناصر الجن”. هذا التغيير المفاجئ أعاد للأذهان سيناريوهات سابقة ارتبطت بإعادة تدوير الشخصيات الأمنية القديمة في محاولة يائسة لمعالجة أزمات متراكمة.
ويعتبر “الجنرال حسان” أحد أبرز رموز المخابرات الجزائرية خلال سنوات الحرب الأهلية (العشرية السوداء)، حيث لعب دورا محوريا في تفكيك الجماعات المسلحة واختراقها. ويعرف بامتلاكه شبكة علاقات واسعة وخبرة عميقة في ما يعرف بحرب الظل في منطقة الساحل.
هذه العودة جاءت بعد فترة قضاها الرجل في السجن إثر محاكمة عسكرية سنة 2015، بتهم “مخالفة الأوامر” و”إتلاف وثائق سرية”، وهي تهم فسرت حينها بأنها جزء من صراع مراكز النفوذ بين الرئاسة وأجهزة الأمن.
التغييرات داخل المؤسسة العسكرية: محاولة لضبط إيقاع الأداء الأمني
جاء تعيين “الجنرال حسان” ضمن سلسلة من التغييرات التي طالت الهرم القيادي في المؤسسة العسكرية الجزائرية. فقد سبقه تغيير مفاجئ على رأس جهاز الدرك الوطني، حيث تم تعيين الجنرال سيد أحمد برومانة خلفا للجنرال يحيى علي أولحاج. وتم تأكيد القرار لاحقا من خلال بث جلسة تسليم المهام الرسمية بإشراف من قائد أركان الجيش، الجنرال سعيد شنقريحة.
هذه التحركات تأتي ضمن سياق أوسع من إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد سنوات من التراجع الواضح في قدرتها على رصد وتوجيه الأحداث في الداخل والخارج، وهو ما جعل تراجع أداء المخابرات الجزائرية موضوع نقاش واسع في الأوساط الأمنية والإعلامية.
إخفاقات متكررة في السياسة الخارجية وتأزم العلاقات مع فرنسا
أحد أبرز العوامل التي دفعت إلى هذا التغيير هو الأداء المتعثر لجهاز المخابرات في إدارة العلاقة المعقدة مع فرنسا، الشريك الأوروبي التقليدي الذي يشهد علاقته بالجزائر اضطرابا غير مسبوق. وكانت حادثة توقيف الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر الماضي نقطة تحول، حيث أثارت ضجة دولية، واعتُبرت تصعيداً غير محسوب ساهم في تعميق الأزمة الثنائية.
ويعتقد أن الجنرال حداد، المعروف بمواقفه المعادية لفرنسا، لم يحسن تقدير نتائج هذه الخطوة، ما دفع السلطات الجزائرية إلى التضحية به كرسالة تهدئة موجهة إلى باريس، ومحاولة لإعادة ضبط إيقاع العلاقات الثنائية، خاصة في ظل الانتقادات العلنية التي وجهها الإعلام الفرنسي، وعلى رأسه الكاتب نيكولا بو، الذي وصف الجنرال حداد بأنه “عقبة أمام التطبيع بين البلدين”.
الجنرال “حسان”: عقل أمني يعيد ترتيب الأوراق في الساحل
منذ عودته، يتوقع أن يعيد الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي ترتيب أولويات جهاز الأمن الداخلي، لا سيما في ظل الفوضى الأمنية التي تعصف بمنطقة الساحل، وصعود لاعبين جدد مثل روسيا وتركيا، وتنامي النفوذ العسكري في بلدان مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ويرى محللون أن تعيينه يعكس نية السلطة في القيام بمراجعة إستراتيجية شاملة، تعالج ليس فقط تراجع أداء المخابرات الجزائرية، بل أيضا حالة الانفصال بين الأجهزة الأمنية والدبلوماسية، بعد أن فقدت وزارة الخارجية الكثير من أدواتها الميدانية بفعل غياب المعلومات الدقيقة من المخابرات.
الحرس القديم بين الاستنزاف السياسي والإحياء التكتيكي
رغم ما يحمله اسم “الجنرال حسان” من رمزية أمنية داخل النظام الجزائري، فإن عودته تثير أيضا جدلا حول مدى نجاعة الرهان على “الحرس القديم” في مواجهة تحديات جديدة أكثر تعقيدا وتشابكا. فالصراعات اليوم لم تعد محصورة في الميدان الأمني فقط، بل امتدت إلى مستويات سياسية ودبلوماسية، وهو ما يتطلب عقليات مرنة وقرارات جريئة، لا مجرد تكرار لتجارب سابقة.
ويتساءل متابعون عن إمكانية نجاح “الجنرال العائد” في إعادة التوازن إلى مؤسسة تعاني من ضغوط متعددة، وسط تنافس إقليمي محتدم، وتحولات جيوسياسية تجعل من منطقة الساحل نقطة تقاطع لمصالح دول كبرى مثل روسيا، الولايات المتحدة، وفرنسا.
هل تنقذ العودة المتأخرة ما تبقى من سمعة الجهاز؟
في ظل كل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل تنجح السلطة الجزائرية في استعادة فاعلية جهاز مخابراتها، بعد سنوات من الارتباك والتراجع؟ وهل تكفي عودة جنرالات متقاعدين لعلاج أزمات متجذرة في بنية النظام الأمني والسياسي؟ الإجابة ستتضح في قادم الشهور، خاصة إذا تمكن الجهاز بقيادة “الجنرال حسان” من إعادة بناء شبكاته وتفعيل آلياته الاستخباراتية، بشكل يواكب التحولات المتسارعة في المنطقة.