
موريتانيا تغلق الحدود والجزائر محاصرة
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأمن القومي والحدودي، أعلن الجيش في موريتانيا عن إغلاق منطقة “لبريقة” الحساسة الواقعة على الحدود الجزائرية، مصنفا إياها “منطقة عسكرية ممنوعة على المدنيين”.
ويأتي هذا القرار الحاسم في إطار جهود مكثفة لوضع حد للفوضى الأمنية والأنشطة غير القانونية، لا سيما التهريب المنظم، التي تشكل تهديدا مباشرا بالقرب من مخيمات تندوف. وفقا لما نقلته وسائل إعلام محلية، فإن هذه الخطوة تعكس تصميم نواكشوط على فرض سيطرتها الكاملة على حدودها وضمان استقرار المنطقة. هذا الإجراء يعد محورياً لمستقبل موريتانيا.
إجراءات عسكرية صارمة لمكافحة التهريب في موريتانيا
وأوضح مصدر عسكري من موريتانيا أن الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو “احتواء تداعيات الفوضى الأمنية ووضع حد للأنشطة غير القانونية، خاصة التهريب المنظم، في المنطقة”.
ولم يأت هذا القرار من فراغ، بل تبعه تفكيك السلطات الموريتانية لشبكة تهريب مخدرات كبرى ضالعة في تهريب الكوكايين والحشيش والمؤثرات العقلية. وكشفت التحقيقات عن تورط صحراويين من مخيمات تندوف ومواطنين موريتانيين في هذه الشبكة الإجرامية. لا تزال التحقيقات جارية مع المشتبه بهم، مما يؤكد جدية التهديد الذي تشكله هذه الأنشطة على تعزيز الأمن في موريتانيا والمنطقة بأكملها.
ويذكر أن مجلس الوزراء في موريتانيا كان قد اعتمد في 6 يناير 2021 مشروع قانون لإنشاء “منطقة دفاع حساسة” في شمال البلاد. وقد أوضح البيان الحكومي آنذاك أن المشروع يحدد إحداثيات النقاط المرجعية التي تحدد حدود هذه المنطقة قليلة السكان، والتي قد تستخدم كنقطة عبور للإرهابيين ومهربي المخدرات والعصابات الإجرامية. هذه الإجراءات الاستباقية تؤكد النهج الاستراتيجي الذي تتبعه موريتانيا في حماية حدودها ومكافحة التهديدات العابرة للحدود.
تحولات جيوسياسية: تغيير في الموقف الموريتاني
في تطور سياسي لافت يعكس تحولات جيوسياسية عميقة في منطقة المغرب العربي، أقدمت موريتانيا على خطوة ميدانية وصفت بأنها تغيير في موقفها تجاه الصحراء المغربية. تمثلت هذه الخطوة في تحرك وحدات من الجيش الموريتاني صباح يوم الإثنين 19 مايو 2025 إلى منطقة “البريكة” الواقعة على الحدود بين المغرب والجزائر. وقد أمهلت هذه الوحدات مجموعة من الأشخاص المنتمين إلى جبهة البوليساريو فترة قصيرة لإخلاء المنطقة، معتبرة إياها منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح بأي نشاط غير مصرح به داخلها.
ينظر إلى هذا التحرك العسكري كأول إجراء عملي يترجم تغيرًا في الموقف الموريتاني تجاه النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، بعد سنوات من الحياد الظاهري أو الموقف الرمادي الذي اتخذته نواكشوط في تعاملها مع هذا الملف المعقد. هذا التحول يشير إلى توجه موريتانيا نحو اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تتناسب مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، مما يعزز دورها الإقليمي.
دعم غير معلن للمغرب
تؤكد مصادر محلية أن هذا القرار ليس منعزلا عن سياق دولي وإقليمي يتجه إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي تحظى بقبول متزايد من عدد من الدول الكبرى. ويبدو أن موريتانيا باتت تميل إلى هذا الخيار، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تصاعد للأنشطة غير الشرعية المرتبطة بجبهة البوليساريو. تعد منطقة “البريكة” معبرا غير قانوني لأنشطة التهريب، وخصوصا تهريب المواد المحظورة مثل الإسمنت والزيوت، والتي كانت تصل إلى المخيمات عبر شبكات يُتهم بصلتها بالبوليساريو. يبدو أن موريتانيا قررت وضع حد لهذا العبث الأمني والاقتصادي الذي لا يخدم استقرارها ولا مصالحها الوطنية، بل ويضر بجهود تعزيز الأمن الإقليمي.
جاء القرار العسكري الموريتاني أيضا في إطار مواكبة الدولة للتغيرات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة. إذ تشهد العلاقات بين الجزائر والمغرب توترا حادا، في حين تتجه دول الساحل والصحراء إلى إعادة تموضعها الاستراتيجي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، بعيدا عن تأثيرات الجزائر . هذا التحرك الذي قامت به موريتانيا يعكس وعيا بأهمية الاستقرار الإقليمي وتأثيره المباشر على التنمية والأمن في البلاد.