الحكم الذاتي

مصر ترفض المناورة العسكرية مع البوليساريو

في خطوة أثارت جدلا واسعا، أعلنت مصر عن رفضها المشاركة في مناورة عسكرية تُنظمها لجنة الدفاع لمنطقة شمال إفريقيا (NARC) في الجزائر. والتي من المقرر أن تُعقد بين 21 و27 ماي2025.

المناورة تشمل جبهة البوليساريو، التي تثير جدلا كبيرا بسبب مطالبها الانفصالية في الصحراء المغربية. ونشر  “مرصد الدفاع الأطلسي” عبر  منصة “إكس”  خبرا أكد أن مصر رفضت دعوة الجزائر للانضمام إلى مناورة عسكرية إلى جانب البوليساريو. هذا القرار ليس مجرد موقف عابر، بل يعكس تحولات عميقة في المشهد السياسي بشمال إفريقيا، حيث تتعرض الجزائر لعزلة دبلوماسية متزايدة بسبب دعمها المستمر للبوليساريو، بينما تكتسب مبادرة الحكم الذاتي المغربية تأييدا دوليا واسعا.

مصر والمغرب: توافق سياسي في مواجهة التوترات

تحدث مصدر  عن هذا القرار، مؤكداً أن هناك “رؤى مشتركة” تجمع القاهرة والرباط حول قضايا إقليمية حساسة. قرار مصر ترفض المناورة العسكرية يظهر دعما واضحا للمغرب، الذي يرى في البوليساريو تهديدا للوحدة الترابية. هذا الموقف يأتي وسط تصعيد إعلامي جزائري ضد الإمارات، الحليفة الوثيقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يقود البلاد منذ يونيو 2014.

ويبدو أن مصر، بهذا القرار، تسعى لتعزيز تحالفاتها مع شركاء موثوقين مثل المغرب والإمارات، في وقت تحاول فيه الجزائر دفع أجندتها عبر دعم البوليساريو.

لكن لماذا اتخذت مصر هذا الموقف الآن؟ الإجابة تكمن في السياق الإقليمي الأوسع. الجزائر، التي طالما قدمت نفسها داعمة لحركات التحرر، تجد نفسها اليوم في موقف محرج. دعمها للبوليساريو، الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي، لم يعد يحظى بالقبول الدولي الذي كان يتمتع به سابقا. في المقابل، يشهد المغرب زخما دبلوماسيا بفضل مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم حلا وسطا لنزاع الصحراء المغربية يحظى بدعم دول كبرى.

من المشاركة إلى الرفض: تحول مصري لافت

لم تكن هذه المرة الأولى التي تُشارك فيها مصر في فعاليات لجنة الدفاع لمنطقة شمال إفريقيا. فقد انضمت القاهرة سابقا إلى اجتماعات عقدت في الجزائر خلال ماي ونوفمبر 2023، وحضرتها البوليساريو أيضا. لكن قرار مصر ترفض المناورة العسكرية في 2025 يشير إلى تغيير واضح في نهجها. هذا التحول يعكس رغبة مصر في الابتعاد عن أي ارتباط بجماعات مثيرة للجدل، خاصة في ظل الضغوط الدبلوماسية التي تواجهها الجزائر. كما أن التقارب المصري-المغربي، الذي شهد زيارات رفيعة المستوى بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، لعب دورا في تشكيل هذا الموقف.

العلاقات المصرية-الإماراتية أيضا تضيف بعدا آخر لهذا القرار. الإمارات، التي تعد من أقرب حلفاء مصر، تواجه هجوما إعلاميا من الجزائر بسبب دعمها للمغرب في قضية الصحراء. وبالتالي، يُمكن قراءة قرار مصر كرسالة تضامن مع أبوظبي، ورفض لمحاولات الجزائر استغلال المناورات العسكرية لتعزيز موقف البوليساريو.

الجزائر في عزلة: دعم البوليساريو يكلفها غاليا

الجزائر، التي تعتبر الداعم الأكبر لجبهة البوليساريو، تواجه اليوم عزلة دبلوماسية غير مسبوقة. على مدى عقود، قدمت الجزائر دعما سياسيا وعسكريا وماليا للبوليساريو، معتبرة إياها حركة تحرر . لكن هذا الدعم أصبح عبئا ثقيلا على علاقاتها الدولية. وفقا لتقارير دبلوماسية، أدى تمسك الجزائر بموقفها إلى توتر علاقاتها مع دول أوروبية وإفريقية، وحتى مع بعض الدول العربية التي بدأت ترى في المغرب شريكا أكثر استقرارا.

على سبيل المثال، أدت الأزمة مع إسبانيا في 2022، بعد إعلان مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، إلى تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة بين البلدين. كما سحبت الجزائر سفيرها من باريس في 2024 رداً على إعلان فرنسا دعمها للمغرب. وفي إفريقيا، نجح المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي في 2017 في كسب تأييد العديد من الدول الإفريقية، مما قلل من النفوذ الجزائري داخل المنظمة. هذه التطورات جعلت الجزائر في موقف دفاعي، حيث تُكافح للحفاظ على شرعية دعمها للبوليساريو في ظل تراجع التأييد الدولي.

مبادرة الحكم الذاتي: حل مغربي يحظى بدعم عالمي

في المقابل، تُحقق مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي طُرحت عام 2007، تقدماً ملحوظاً على الساحة الدولية. تقترح المبادرة منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً واسعاً تحت السيادة المغربية، مع إدارة شؤونها المحلية عبر حكومة وبرلمان وسلطة قضائية خاصة. وقد وصفت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه المبادرة بأنها «جادة وواقعية»، مما جعلها أساساً للمفاوضات.

منذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2020 ضمن اتفاقيات إبراهيم، انضمت دول أخرى إلى قائمة الداعمين. إسبانيا (2022)، فرنسا (2024)، وأكثر من 90 دولة أخرى أبدت تأييدها من خلال فتح قنصليات في مدن مثل الداخلة والعيون. هذه الخطوات تُعزز شرعية المغرب وتُضعف مطالب البوليساريو بالاستقلال الكامل. كما أن استثمارات المغرب في الصحراء، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، جعلت المنطقة مركزاً اقتصادياً جاذباً، مما يُعزز موقف الرباط دبلوماسياً واقتصادياً.

خطط الجزائر المستقبلية: تحديات في الأفق

أعلنت الجزائر، التي تترأس لجنة الدفاع لمنطقة شمال إفريقيا، عن عزمها تنظيم مناورة عسكرية أخرى بنهاية 2024. جاء ذلك في كلمة لرئيس الوزراء الجزائري خلال الاجتماع التنسيقي السادس لمكتب مؤتمر الاتحاد الإفريقي في أكرا يوم 21 يوليو 2024. لكن قرار مصر ترفض المناورة العسكرية يُلقي بظلال من الشك على نجاح هذه الخطط. فمع تزايد الانتقادات لدعم الجزائر للبوليساريو، قد تجد الجزائر صعوبة في حشد الدعم الإقليمي لمبادراتها.

ماذا يعني هذا لشمال إفريقيا؟

قرار مصر ترفض المناورة العسكرية ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل رسالة واضحة تعكس التحولات الكبرى في شمال إفريقيا. مصر، بتحالفها مع المغرب والإمارات، تُظهر التزاماً بالاستقرار الإقليمي وتجنب التورط في نزاعات تُفاقم الانقسامات. في الوقت نفسه، تواجه الجزائر تحديات متزايدة للحفاظ على نفوذها، حيث يرى الكثيرون أن دعمها للبوليساريو أصبح عبئاً يُعيق علاقاتها الدولية.

مع استمرار الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، يبدو أن المغرب في موقف قوي لقيادة حوار إقليمي حول الاستقرار والتنمية. لكن بالنسبة للجزائر، قد تكون هذه لحظة حاسمة لإعادة تقييم سياساتها، خاصة إذا أرادت استعادة مكانتها كلاعب رئيسي في المنطقة. في النهاية، تبقى قضية الصحراء المغربية نقطة مركزية في السياسة الإقليمية، وستظل قرارات مثل رفض مصر للمناورة العسكرية محط أنظار الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى