كابرانات الجزائر

تونس على فوهة بركان الاحتجاجات

تشهد تونس منذ أيام تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، عقب الحادث المأساوي الذي راح ضحيته ثلاثة تلاميذ وأصيب اثنان آخران. جراء انهيار سور المعهد الثانوي بمدينة المزونة في ولاية سيدي بوزيد، وسط البلاد. الحادث فجر موجة غضب امتدت من المدينة المهمشة إلى العاصمة تونس. وسط مطالبات شعبية بمحاسبة المسؤولين، وتنديد واسع بتدهور البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في تونس.

احتجاجات في تونس العاصمة بعد مأساة المزونة

في العاصمة تونس، خرج مئات المحتجين في مسيرة انطلقت من أمام المسرح البلدي وسط العاصمة. وصولا إلى مقر وزارة الداخلية. ;شارك في المسيرة نشطاء المجتمع المدني وطلبة الجامعات، ورفعوا شعارات تؤكد على الحق في التظاهر ومحاسبة المتسببين في الحادث. المحتجون نددوا بتردي الخدمات في قطاع التعليم في تونس، مؤكدين أن الحادث يعكس الإهمال المستمر الذي تعانيه المؤسسات التربوية، خاصة في المناطق الداخلية.

;في مدينة المزونة، التي شهدت الحادث، سادت حالة من الحداد والغضب. إذ عرفت المدينة بتهميش مزمن ونقص في البنى التحتية. وشهدت أول أمس الثلاثاء إضرابا عاما على خلفية سقوط الضحايا. وخلال تشييع جنازات التلاميذ، تجمهر عدد كبير من الأهالي بحضور ممثلين عن النقابات، وحملوا السلطة المحلية والجهوية ووزارة التربية المسؤولية عن الحادث، بسبب تجاهل مطالب الصيانة التي تقدموا بها مرارا.

وعقب الجنازة، اندلعت احتجاجات عنيفة تم خلالها حرق إطارات السيارات، ورفع المحتجون شعارات مناهضة للسلطة، مثل “المزونة ضحية” و”لن نصمت”، وتجمّع المئات أمام مركز الحرس الوطني مطالبين بالعدالة.

ووفق شهادات محلية وتقارير إعلامية، فإن سور المعهد الثانوي المنهار بني في ثمانينيات القرن الماضي، وتسبب في وفاة ثلاثة تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاما، نتيجة سقوط مفاجئ بعد هبوب رياح قوية. وكان الأهالي قد حذروا مرارا من أن السور آيل للسقوط ويشكل تهديدا لحياة التلاميذ والمارة.

وفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، أصدرت الرئاسة التونسية بيانا أعلنت فيه أن الرئيس قيس سعيد أمر بفتح تحقيق وتحميل المسؤولية لكل من قصر في أداء مهامه. كما دعا إلى إجراء صيانة عاجلة وشاملة لكل المؤسسات التعليمية المتدهورة في تونس، تفاديا لتكرار مثل هذه الحوادث الأليمة.

اتهامات سياسية وتحركات معارضة في تونس

في موازاة ذلك، وقع 40 ناشطا تونسيا من مختلف المجالات السياسية والفنية وحقوق الإنسان عريضة موجهة إلى الرأي العام. طالبوا فيها الرئيس قيس سعيد بالتنحي الفوري عن الحكم، معتبرين أن تونس تعيش “أزمة حكم شاملة” نتيجة “الانغلاق السياسي والتسلط الفردي وتعطيل المؤسسات”. وأكد الموقعون أن الرئيس فقد شرعيته بسبب السلوكيات التي وصفوها بـ”غير المتوازنة” وغياب سلطة رقابية أو قضائية تحد من تجاوزاته، مشيرين إلى غياب المحكمة الدستورية كمؤسسة أساسية لضمان التوازن السياسي.

من جهتها. أفادت جمعية “تقاطع من أجل الحقوق والحريات” في تقريرها السنوي أن تونس سجلت 233 حالة انتهاك للحقوق السياسية والمدنية في سنة 2024. ما يعكس تصاعدا غير مسبوق في مستوى القمع، مقارنة بـ99 انتهاكاً فقط في 2023. وأشارت الجمعية إلى أن هذه الانتهاكات ممنهجة ومتصاعدة منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، والتي تم بموجبها تركيز السلطة التنفيذية في يد واحدة، وتجميد عمل البرلمان، مما قيد الحريات الأساسية.

مي العبيدي، عضو الجمعية، قالت إن “تونس تعيش تحت القمع، والتقرير الجديد يحمل عنوان: انتبه.. لقد بدأ القمع”، في إشارة إلى تحول مقلق في مناخ الحريات في البلاد، خاصة في ظل القوانين المقيدة للحريات والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.

تونس بين مطالب العدالة وغليان الشارع

وتتراكم الأحداث في تونس لتشكل ضغطا اجتماعيا وسياسيا متصاعدا، فبين فاجعة انهيار سور مدرسة، وانفجار الغضب الشعبي، وتوثيق الانتهاكات الحقوقية، يجد التونسيون أنفسهم أمام مفترق طرق، يطالب فيه الشارع بالعدالة، ومحاسبة المسؤولين، وضمان حياة كريمة في مؤسسات آمنة، بينما تحذر المنظمات من توجه البلاد نحو مزيد من القمع والتراجع الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى