
تجميد أموال مسؤولين جزائريين بفرنسا… 20 منهم في قفص الاتهام
في تصعيد جديد وغير مسبوق في العلاقات المتأزمة بين باريس والجزائر، كشفت مصادر فرنسية أن الحكومة الفرنسية، عبر وزارتي الاقتصاد والداخلية، تستعد لاتخاذ إجراء شديد الحساسية يتمثل في تجميد أموال مسؤولين جزائريين في فرنسا.
هذا التحرك، الذي وصفته مجلة “لكسبريس” الفرنسية بأنه “ورقة ضغط قصوى”، قد يمثل نقطة تحول في دينامية العلاقات الثنائية بين البلدين، التي اتسمت خلال الأشهر الماضية بالتشنج والتوتر المتصاعد.
قائمة سرية ومصالح مالية ضخمة داخل فرنسا
وحسب ما أورده تحقيق المجلة الفرنسية الواسعة الانتشار، فإن السلطات الفرنسية أعدّت لائحة تشمل حوالي 20 شخصية جزائرية رفيعة المستوى، تتوزع أدوارها بين مفاصل حساسة في الدولة الجزائرية، من أجهزة الأمن إلى مواقع عليا في النظام السياسي. جميع هذه الشخصيات، بحسب ذات المصدر، تمتلك مصالح مالية أو عقارات في فرنسا، بعضها في مواقع راقية داخل باريس، والبعض الآخر يمتد إلى مدن فرنسية كبرى مثل ليون ونيس ومرسيليا.
لكن اللافت في تقرير “لكسبريس” أن هذا الرقم، أي العشرين شخصية، ليس إلا “قمة جبل الجليد”، حيث نقلت المجلة عن مصدر حكومي فرنسي قوله إن هناك ما لا يقل عن 801 من أعضاء النخبة الجزائرية الذين لديهم مصالح مالية مؤكدة على التراب الفرنسي ويزورون البلاد بشكل منتظم، دون احتساب المسؤولين العسكريين. وهذا الرقم يكشف عن حجم النفوذ المالي الجزائري داخل فرنسا، وعن العلاقة المتشابكة التي تربط نخب النظام الجزائري بالاقتصاد الفرنسي.
التجميد كأداة ردع دبلوماسية
القرار الفرنسي المحتمل بتجميد أموال مسؤولين جزائريين في فرنسا لا يأتي في فراغ سياسي. فباريس، التي علقت في 16 مايالجاري، العمل بالاتفاق الذي يسمح بالتنقل بدون تأشيرة لحاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية، تسعى إلى فرض أوراق ضغط جديدة بعد أن استشعرت تصلبا متزايدا من الجانب الجزائري في ملفات عديدة، من بينها ملف الهجرة والذاكرة وحتى الأمن الإقليمي في منطقة الساحل.
وبينما يبدو أن باريس لا ترغب في الذهاب بعيدا في قطيعة كاملة مع الجزائر، إلا أن اللجوء إلى سلاح العقوبات المالية الشخصية، وخاصة تجاه أفراد نافذين في النظام، يوحي بأن فرنسا تلوح بخيارات كانت تعتبر “خطا أحمر” في السابق. ويتوقع أن يُستخدم هذا التهديد كورقة تفاوضية إذا استمرت الجزائر في التصعيد أو إذا اتخذت خطوات تعتبرها باريس “عدائية”.
الإطار القانوني: هل تسمح القوانين الفرنسية بهذا التجميد؟
السؤال المحوري الذي يُطرح في هذا السياق هو: هل يمكن لفرنسا قانونيًا تجميد أموال مسؤولين جزائريين؟ المحامي الفرنسي رونو دو لاغل، المتخصص في قضايا تجميد الأصول، يوضح أن القوانين الفرنسية بالفعل تتيح هذه الصلاحيات، لكن بشروط صارمة.
ففي الحالة العادية، يحق لوزير الاقتصاد ووزير الداخلية عبر مرسوم مشترك تجميد أصول أشخاص يُشتبه في علاقتهم بتنظيمات إرهابية. لكن، كما تنقل “لكسبريس”، من غير المرجح أن يُستخدم مفهوم “الإرهاب” ضد مسؤولين جزائريين. لذلك، تستند الحكومة الفرنسية إلى تعديل قانوني جديد دخل حيز التنفيذ في 25 يوليوز 2024، يتعلق بمكافحة التدخلات الأجنبية.
هذا التعديل، الذي يُمثل الأساس القانوني المحتمل لتجميد أموال مسؤولين جزائريين في فرنسا، يمنح السلطات الفرنسية صلاحية تجميد أصول أفراد متورطين في “أعمال تدخل” تهدد مصالح الأمة. وهو مصطلح واسع يشمل أي نشاط، مباشر أو غير مباشر، يتم لحساب دولة أجنبية ويهدف للإضرار بمصالح الدولة الفرنسية.
ما الذي يشمل التجميد وما أثره على المستهدفين؟
في حال تنفيذ القرار، فإن الشخصيات المستهدفة لن تتمكن من استخدام حساباتها المصرفية أو بيع ممتلكاتها العقارية، أو حتى الاستفادة من عائدات استثماراتها في فرنسا. فترة التجميد تمتد مبدئياً إلى ستة أشهر، قابلة للتجديد إذا لم يتم تقديم طعن قانوني ناجح، ما قد يسبب ضررًا ماليًا ومعنويًا كبيرًا لهؤلاء الأفراد.
وتشير تسريبات المجلة إلى أن من بين الأسماء المرشحة للتجميد أفراد مرتبطين بجهاز الاستخبارات الجزائرية، إضافة إلى آخرين متورطين في قرارات تعيق تسليم تصاريح المرور القنصلية، وهي المسألة التي لطالما شكلت مصدر توتر بين وزارتي الخارجية في البلدين، خاصة في ملفات ترحيل المهاجرين غير النظاميين.
خيار غير مرغوب لكنه مطروح بقوة
ورغم أن السلطات الفرنسية تتعامل مع هذه القائمة كأداة ردع أكثر من كونها نية فعلية للتنفيذ، فإنها لا تستبعد تفعيلها إذا ما استمر النظام الجزائري في تجاهل التحذيرات الفرنسية. “مثل ما حدث مع الأوليغارشيين الروس”، تقول المجلة، في إشارة إلى تجميد الأصول الروسية عقب الحرب على أوكرانيا، وإن كانت تلك العقوبات تمر عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي، في حين أن الحالة الجزائرية تبقى محصورة في إطار السيادة الفرنسية وحدها.
باختصار، تجميد أموال مسؤولين جزائريين في فرنسا لم يعد مجرد احتمال بعيد، بل أصبح خيارا قائما ومبرمجا ضمن أدوات الردع السياسي والاقتصادي الفرنسية. وهو ما يضع العلاقات الفرنسية الجزائرية على شفا أزمة دبلوماسية أعمق، قد تحدث تحولا في موازين النفوذ بين البلدين. علما أن تصريحات جميع المسؤولين الفرنسين تؤكد أن النظام الجزائري تجاوز كل الخطوط الحمراء في العلاقات بين البلدين، ومنها التورط في محاولة اغتيال أحد المعارضين، وتسخير “مؤثرين” آخرين لنشر الفوضى في باريس.