
الحكم الذاتي بالصحراء: كينيا تؤكد على سيادة المغرب
في تطور دبلوماسي يُعد نقطة تحول محورية في علاقات المغرب مع شركائه الأفارقة، أعلنت كينيا، بصفتها قوة سياسية واقتصادية بارزة في شرق إفريقيا، عن دعمها الصريح والمباشر لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء التي يقترحها المغرب كحل نهائي وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل حول أقاليمه الجنوبية.
هذا الإعلان جاء على لسان وزير الخارجية الكيني، موساليا مودافادي، خلال زيارة رسمية أجراها إلى العاصمة الرباط، حيث أجرى محادثات معمقة مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، انتهت بإصدار بيان مشترك يعتبر المقترح المغربي للحكم الذاتي الخيار الوحيد الجاد وذي المصداقية الكفيل بتسوية هذا النزاع الذي طال أمده، وهو ما شكّل تحولاً جذرياً في الموقف الكيني الرسمي.
دعم كينيا لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء يعيد ترتيب الأوراق في إفريقيا
الموقف الجديد لكينيا، البلد المؤثر في التكتل الإفريقي لشرق القارة وعضو أساسي في الاتحاد الإفريقي، لم يكن مجرد تعبير دبلوماسي عابر، بل يحمل دلالات استراتيجية عميقة. فهو يأتي في سياق تصاعد الدعم الدولي والإفريقي للمقترح المغربي الخاص بمنح الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية، وهو مشروع يحظى بتقدير الأمم المتحدة وعدد من القوى الدولية الكبرى، منها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
وقد اعتبر هذا التحول بمثابة صفعة قوية للطرح الانفصالي الذي تدعمه الجزائر وتتبناه جبهة البوليساريو، خصوصا أن كينيا كانت سابقاً من الدول التي اعترفت بما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، قبل أن تسحب اعترافها عام 2022، وتُعلن اليوم بشكل أوضح تأييدها للسيادة المغربية على صحرائه.
الرباط ونيروبي ترسمان ملامح شراكة جديدة على أسس متينة
زيارة وزير الخارجية الكيني للرباط لم تقتصر فقط على تأكيد الدعم السياسي لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء، بل كانت مناسبة لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة. فقد تم الإعلان عن فتح خط جوي مباشر بين الدار البيضاء ونيروبي، وهو ما يُنتظر أن يساهم في تسهيل التنقلات، وتنشيط المبادلات التجارية والسياحية بين البلدين.
كما تم توقيع اتفاقيات في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، بهدف تشجيع الشراكات الاقتصادية الثنائية، وتقليص العجز التجاري الذي تميل كفته لصالح المغرب، حيث تبلغ صادرات الرباط إلى كينيا حوالي 93 مليون دولار، مقابل 3.8 مليون فقط في الاتجاه المعاكس.
وفي هذا السياق، دعا الوزير الكيني إلى تعزيز صادرات بلاده من الشاي والقهوة إلى السوق المغربية، وفتح الباب أمام رجال الأعمال الكينيين لولوج الاقتصاد المغربي، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الزراعة المستدامة، الأمن الغذائي، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الرقمية.
الذكرى الستون للعلاقات المغربية الكينية: من التقارب الدبلوماسي إلى التحالف الاستراتيجي
تزامنت زيارة مودافادي مع الاحتفال بمرور ستة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكينيا، وهو ما أضفى على اللقاء طابعاً رمزياً خاصاً. وقد عبّر ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، عن ارتياحه العميق للتقدم الحاصل في مسار الشراكة مع نيروبي، مؤكداً أن المغرب ينظر إلى كينيا باعتبارها “شريكاً استراتيجياً ومحورياً في شرق القارة، وفاعلاً أساسياً في بناء السلم والاستقرار بالقارة الإفريقية”.
كما تم الاتفاق على عقد اللجنة المشتركة بين البلدين قبل نهاية السنة، والتحضير لزيارة مرتقبة لوفد كبير من رجال الأعمال المغاربة إلى نيروبي، بهدف استكشاف الفرص الاستثمارية وتطوير الشراكات الثنائية، خصوصاً في مجالات الفلاحة والصناعة والطاقات النظيفة.
انعكاسات موقف كينيا على ملف الحكم الذاتي بالصحراء إقليمياً
إن إعلان كينيا دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء لا يعكس فقط موقفاً سياسياً، بل يؤشر إلى إعادة ترتيب موازين القوى في القارة الإفريقية بشأن هذا الملف. فكينيا، بما تملكه من وزن دبلوماسي وموقع جيوسياسي استراتيجي، يمكن أن تؤثر على مواقف عدد من دول شرق إفريقيا التي ظلت مترددة أو منحازة للطرح الانفصالي تحت ضغط الجزائر.
وقد سبق لكينيا أن اتخذت قراراً بسحب اعترافها بالكيان الوهمي في سبتمبر 2022، لكن هذا القرار لم يكن مصحوباً بمواقف واضحة كالتي صدرت اليوم، ما يجعل من التصريح الجديد تحوّلاً نوعياً ورسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن دعم المغرب ومقترحه السيادي هو الطريق الواقعي الوحيد لتجاوز الجمود الحالي.
من التأشيرة الإلكترونية إلى فتح السفارات: تعزيز روابط الشعوب
لم تغب الجوانب الإنسانية والثقافية عن هذه الزيارة، إذ أُعلن عن افتتاح السفارة الكينية في الرباط، واعتماد التأشيرة الإلكترونية لمواطني البلدين، ما سيُسهم في تعزيز الروابط بين الشعبين وتوسيع قنوات التعاون الأكاديمي والسياحي والثقافي.
ويُعد هذا التوجه جزءاً من الاستراتيجية المغربية الرامية إلى تعميق حضورها في القارة الإفريقية، ليس فقط عبر المشاريع الاقتصادية الكبرى، بل أيضاً من خلال الدبلوماسية الناعمة التي تربط الشعوب وتُرسّخ مفاهيم الشراكة جنوب-جنوب.