أخبار الصحراء

الصحراء المغربية: مقبرة جديدة للبوليساريو بعد الكركرات

في قلب النزاع المفتعل الذي تشهده الصحراء المغربية منذ عقود، برزت خلال السنوات الأخيرة مؤشرات على تحول استراتيجي في طريقة تعامل المغرب مع تهديدات جبهة البوليساريو.

ولم يأت هذا التحول اعتباطيا، بل استند إلى قراءة دقيقة للواقع الميداني وتطبيق عملي لما يعرف بـ”نظرية اللعبة” في علم العلاقات الدولية، وهي النظرية، التي تعتمد على تحليل الخيارات في سياق نزاعات متعددة الأبعاد.

“كٌارزرز”.. المنطقة المنسية أو “الكركرات” الثانية

أصبحت منطقة “كارزرز”، الواقعة في قطاع “كلتة زمّور” على الحدود بين موريتانيا والمناطق الصحراوية شرق الجدار الدفاعي المغربي، في السنوات الأخيرة، مركزا لحوادث استهداف متكررة، بسبب محاولات الابوليساريو استغلالها لشن هجمات بدائية على المغرب، لكنها كانت تقابل برد حازم، حسب ما أشار إليه مصطفى ولد سلمى، أحد أبرز المنشقين عن البوليساريو.

وتزامن هذا مع صمت رسمي مغربي، يقابله تضخيم إعلامي من جانب البوليساريو، التي دأبت على إصدار بلاغات متكررة تزعم فيها استهداف قواعد مغربية في القطاع ذاته. غير أن الواقع، كما يبدو، يؤكد أن المغرب لم يكن يدافع فقط، بل كان يعيد رسم قواعد الاشتباك على الأرض.

الصحراء المغربية بين التنقيب عن الذهب والتسلل العسكري

قبل استئناف الحرب الذي أعلنته البوليساريو بعد طردهم من “الكركرات”، كانت “كارزرز” وجهة لعشرات المنقبين عن الذهب، غالبيتهم من المدنيين الموريتانيين. لكن مع تصاعد التوتر، تحولت هذه المنطقة إلى مساحة خطرة، حيث اختلط النشاط المدني بالنشاط العسكري. فقوات البوليساريو منعت المنقبين، بحجة أن المنطقة عسكرية، وصادرت معداتهم، ما زاد من تعقيد الوضع.

ومع استمرار عمليات الاستهداف، ووقوع قتلى في صفوف المدنيين، بدأت موريتانيا تشعر بالضغط، خاصة أن هذه الحوادث وقعت في منطقة توصف بـ”العازلة”، وهي مساحات لم تكن تخضع سابقا لسيطرة واضحة.

نظرية اللعبة: من الدفاع إلى فرض معادلة جديدة

ما قام به المغرب في الصحراء المغربية يمكن تحليله بوضوح من خلال نظرية اللعبة، التي تفترض أن كل طرف في النزاع يتخذ قراراته بناء على توقع سلوك الطرف الآخر، في محاولة لتحقيق أفضل مكاسب ممكنة بأقل تكلفة.

المغرب، في هذا السياق، استفاد من بلاغات البوليساريو نفسها، والتي كانت تدعي فيها شن هجمات على مواقع مغربية، ليمارس حقه المشروع في الرد. بل أكثر من ذلك، جعل من تلك البلاغات أدلة موثقة يتم إشهاد قوات المينورسو عليها، ما يمنحه غطاء قانونيا ودوليا لأي تحرك عسكري دفاعي أو هجومي محدود.

إغلاق ممرات البوليساريو دون إثارة أزمة دبلوماسية

المعادلة الجديدة التي سعى المغرب إلى فرضها، تتلخص في منع البوليساريو من استخدام الأراضي الموريتانية كممرات للوصول إلى جنوب الصحراء المغربية، وهي الممرات التي كانت تعتمدها الجبهة منذ الثمانينيات. غير أن المغرب لم يُعلن ذلك بشكل مباشر، بل اختار منطقة “كٌارزرز” كمساحة رمادية تُبرّر فيها أي عمليات استهداف بدعوى الرد على تهديدات.

ومع وقوع ضحايا موريتانيين، أصبح على نواكشوط أن تتحرك، ولكن دون توجيه اللوم للرباط، التي تتعرض بدورها للقصف. فكان الرد الموريتاني العملي هو تعزيز المراقبة على حدودها، ومنع المدنيين من دخول المنطقة. وهو ما يعني، بشكل غير مباشر، منع البوليساريو أيضا من العبور.

الصحراء المغربية تفرض منطق السيادة بالأمر الواقع

ومع تعذر فرض حراسة موريتانية شاملة على طول الحدود، أصبح من المنطقي الحد من تحرك الصحراويين أنفسهم، عبر المعبر الحدودي مع تيندوف. وبهذا الإجراء، نجح المغرب في تحقيق هدفين في آن واحد: منع التسلل العسكري من الجنوب، وتقوية حضوره السيادي على أرض الواقع دون الحاجة إلى صدام مباشر مع موريتانيا.

قد تكون اللعبة تقترب من نهايتها، بعد أن صارت الخيارات محدودة أمام خصوم المغرب. فالواقع الجديد في الصحراء المغربية يُعاد تشكيله ليس فقط عبر قرارات سياسية، بل عبر ديناميكيات محسوبة على الأرض، تنطلق من مفاهيم حديثة في إدارة النزاعات، حيث يكون الصمت أحياناً أبلغ من الرصاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى